في هذه الفترة من ذاكرة بيروت الاجتماعية كان الناس يجتمعون في ساحة المصلى وباب السراي. كانت هذه الساحة تقع الى الغرب من السراي الحكومي في المكان الذي أقيم فيه سوق سرسق لاحقاً، وفي أول أيام عيد الفطر المبارك كانت تفرش الساحة بالحصر لعموم الناس وبسجادات الصلاة لأصحاب المقامات. في هذه الساحة كان الإمام يخطب خطبة العيد من على منبر نقال يؤتى به لهذه المناسبة.
وبعد الصلاة والخطبة كان الأهالي يعايدون بعضهم في الساحة، وهي العادة التي حلت محل المعايدة بالمنازل. أما المشايخ والوجهاء فكانوا يذهبون لمعايدة الوالي والمفتي والقاضي فقط ويلتقون هناك برجال الدين والوجهاء المسيحيين الذين جاءوا للمعايدة أيضاً. أما في مناطق العيش المشترك المختلطة فكانت حصة معمول العيد للجيران النصارى تقدم إليهم قبل غيرهم، وهكذا كان يفعل السكان النصارى بإهداء جيرانهم المسلمين كميات من البيض المسلوق الملون في عيد الفصح على سبيل المثال.
ألعاب العيد
1. المراجيح
كانت في الماضي تنصب في ساحة السور أيام الأعياد قبل أن تنقل إلى الحرش، ويسميها البعض "شقليبات" وهي القلابات. ومن المراجيح يوجد "الزنزوقة" أو العنزوقة وهي المرجوحة العادية المزودة بصندوق خشبي يتسع لشخص واحد. ولم تقتصر مراجيح العيد على الحرش فقط بل كان هناك مراجيح أخرى في مناطق كثيرة تنسب لأصحابها مثل مرجوحة أم محمد ميرزا في عين المريسة، ومرجوحة الحاراتي وأبو بديع صبرا في رأس النبع، ومرجوحة المبشر في تلة الحص، ومرجوحة أم عمر في زقاق البلاط.
2. صندوق الفرجة
وكنت تسمع صاحبه ينادي بصوت عال: شوف تفرج يا سلام، شوف أحوالك بالتمام، شوف قدامك عجايب، شوف قدامك غرايب".
وصندوق الفرجة هو صندوق مستطيل مزخرف بألوان الدهان, وفي أحد وجوهه ثلاثة أو أربعة ثقوب متقاربة مستديرة على حجم دائرة العين أو أكبر بقليل، مركَّب عليها بلورات، وبطرف الصندوق من الداخل لولبان رأسهما خارج الصندوق من الأعلى، بهما قطعة من الورق مصوَّر عليها عدة صور تلتف على أحد اللولبين، إذا دار الدولاب الثاني دار الأول والتفّت الصور على الثاني، وهكذا، فإذا مرَّت الصور كلها، انتهت الفرجة”.
3. القرداتي
الذي كان ينقر على الطبل ويخاطب قرده قائلاً: "قوم على حيلك يا قليل المروة، سلم على ستك العجوز وبوس إيدها، فرجينا كيف بتعجن الصبية وكيف بتعجن العجوز...
4. تصوير وجوه الأولاد من خلال إيقافهم خلف لوحة فيها فتحة فيبدون وكأنهم أبطال كمال الأجسام أو يقودون طائرة أو يسلمون على شخصية هامة، وغير ذلك.
5. باعة الكبيس والنقولات والفريسكو والمعلل بيعلك وغزل البنات، وامتطاء الخيول والحمير والجمال ونشاطات كثيرة متفرقة.
جحش العيد
ومن الكلمات التي كنا نسمعها صغاراً "جحش العيد"، وكان يقصد به اليوم الذي يلي أيام العيد.
أخبرنا المؤرخ الأستاذ عبد اللطيف فاخوري أن لهذا التعبير أصل يعود إلى عادة كانت معروفة في مدينة حلب، إذ كان يخرج قبل العيد بيومين رجل سخرة معه حمار مدرع بالودع والخرز الملون والأجراس، يستجدي الناس بالرقص والغناء ويضحكهم بحركاته وحركات حماره، وكان يقال له جحش العيد... ويبدو أن شخصاً آخر قلد صاحب الجحش المشار إليه (من الأيام التي تسبق العيد إلى اليوم الذي يليها)، فأصبح هذا اليوم عند البيارتة هو جحش العيد.
_
إعداد الصيدلي #سهيل_منيمنة، رئيس جمعية تراثنا بيروت.