غياب الثقة في الدولة، قطاع مصرفي يتخبّط وحالة معيشية غير مستقرة في البلاد هي حالة مُرافِقة للشعب اللبناني منذ الانهيار التاريخي الكبير الذي بدأ منذ أواخر عام 2019، في ظل غياب خطة للتعافي وتدهور قيمة الليرة وخسائر القطاع المصرفي، تزامناً مع الفراغ في رئاسة الجمهورية وحكومة غير قادرة على تلبية الطموحات.
في هذا السياق، تتوالى مشاريع القوانين المقترحة حول أصول الدولة واستعادة أموال المودعين، وسط رفض بعض الأطراف للحلول ورغبتها في الاستيلاء على أملاك الدولة.
في خِضَمِّ كل ذلك يعاني القطاع الخاص الشرعي تدهوراً كبيرا مقابل القطاع غير الشرعي الذي بات يشكل حوالي 70? من الاقتصاد، مع استمرار موجات التهريب والاحتكار وفوضى الأسعار والتهرّب الضريبي والجمركي الذي لا تقوى الدولة على التحكم به.
وفي هذا الإطار، لا يزال يطرح المعنيون خططاً ومشاريع وخطوات للسير في عملية الإصلاح المنتظر، إثر ذلك "يتابع تجمّع رجال وسيّدات الأعمال اللبنانيين محاولاتهم الضاغطة لوضع قطار الإصلاح على السكّة الصحيحة" بحسب رئيس التجمّع نقولا بو خاطر الذي اعتبر في حديث لجريدة "الأنباء" الإلكترونية أنه للحفاظ على ما تبقى من قطاع خاص شرعيّ في لبنان على المشرّع أن يسأل "كيف يمكن مساعدة القطاع العام الشرعي على التوسّع وحمايته من الضرائب الجديدة التي تُفرَض على القطاع الخاص إذ إنها من الممكن أن تضر بهذا القطاع لأن القطاع الشرعي هو الذي يلتزم بالضرائب، بينما غير الشرعي يعمل دائما على التهرب مستغلاً غياب الرقابة الضريبية ما يعني أن الدولة بذلك تؤذي القطاع الخاص الشرعي خصوصا أنه والمواطنين لم يعودوا قادرين على تحمّل أعباء مصاريف إضافية".
ومن ناحية أخرى يشير بو خاطر إلى أنه "على الدولة وقف المصاريف غير المنتجة للدولة فمثلاً بلد بحجم لبنان لا يتحمّل 400,000 موظف في القطاع العام"، مطالباً بضرورة تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص في عدد من القطاعات منها الاتصالات، البنى التحتية، الصحة، الطاقة، الخطوط الجوية وغيرها من القطاعات التي يمكن أن تُدار بالشراكة بين القطاعين وتكون بذلك منتجة أكثر، مشيراً إلى أن "قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص صادر منذ عام 2017 إلا أنه لا يزال غير مطبّق حتى اليوم، كذلك موضوع تشكيل هيئة المنافسة لتنظيم المنافسة بين الشركات، وقانون الشراء العام الذي يتطلب هيئة نظامية اليوم ولا تزال المماطلة بشأن تشكيلها مُتّبعة".
وسط كل هذه القوانين المغيّبة بالرغم من الورشة القانونية المتبعة اليوم من قبل بعض من الكتل النيابية، حذّر بو خاطر من أن القطاع الخاص الشرعي بات بخطر وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة اليوم بوجه "نوايا وأفعال الأذى التي تطال هذا القطاع، وهو بذلك يتقلّص مقارنةً بالقطاع الخاص غير الشرعي". وفي هذا الإطار اعتبر بو خاطر أن التوظيف الذي قامت به الدولة في القطاعات العامة هو أحد أسباب فشل هذه القطاعات ويجب الفصل بين إدارة القطاع وملكية القطاع، إذ إن إدارة بعض القطاعات من قبل القطاع الخاص يمكن أن يساعد في التطوير والابتكار وتطوير مبيعات هذه القطاعات في الأسواق المحلية والعالمية، كما كان معروفاً عن لبنان في فترة ازدهاره وانفتاحه على الأسواق العالمية، "ذلك يعيدنا إلى ضرورة تطبيق قانون الشراكة بين القطاعين الذي يحد من المخاطر على الجهتين وبالتالي على المواطن خاصة إذا تشكلت الهيئات الناظمة لكافة القطاعات".
وعن الحلول المقترحة والتي تم عرضها على غالبية الكتل النيابية بحسب بو خاطر فإن الخطوة الأولى تبدأ من إصلاح النظام المالي وإعادة هيكلته ككل "فإن هذا القطاع المتعثّر حاليا، وغير الموثوق به من قبل المؤسسات والمواطنين يجب إعطاءه الأهمية اللازمة"، إضافة إلى ذلك يشير بو خاطر إلى ضرورة تقليص حجم الدولة، وتنظيم ملف تعويضات نهاية الخدمة التي خسرها المواطن جراء سياسات الدولة "التي لا يمكن للقطاع الخاص تحمّل تكاليف دفعها مرة جديدة خاصة في النظام الحالي للضمان الإجتماعي والذي لم يعد جديرا بالثقة اليوم، كما وإن تفعيل الهيئات الرقابية خطوة أساسية ومهمّة في المسلك الإصلاحي المطلوب، كل ذلك يتطلّب أيضا في المرحلة الأولى انتخاب رئيس للجمهورية من أجل ضمان تفعيل العمل التشريعي للمجلس النيابي بشكل رسمي وبدء الورشة التشريعية الإصلاحية المطلوبة قبل فوات الأوان".
خطّة واضحة، حلول معروفة، القطار جاهز والسكّة ثابتة إنما المطلوب "سائق موثوق" ونيّة صافية لانتشال البلد من الانهيار الأكبر في تاريخه، فهل من مُنقِذٍ سيحمل على عاتقه قريبا هذه المسؤولية، أم أن الارتطام بات قدرا محتوما لا هروب منه؟