منذ سنوات طرح الإسرائيليون معادلة إبعاد ايران وحلفائها من جنوب سوريا لمسافة 40 كلم. شن الإسرائيليون هجمات كثيرة على سوريا طوال السنوات الماضية، وكثفوا من مطالبهم بتقويض النفوذ الإيراني في الجنوب السوري، بعد دخول روسيا وبالتنسيق معها، تماماً كما هو الحال بالنسبة إلى الضربات الإسرائيلية التي تستهدف مواقع، شحنات أسلحة، ومسؤولين إيرانيين أو حلفاء لطهران. إذ أن كل الطلعات الجوية الإسرائيلية لتنفيذ العمليات تحصل بتنسيق مع الروس أو عبر إبلاغهم مسبقاً. لم تستجب إيران علانية للمطالب والشروط الإسرائيلية، لكن تل أبيب نفذت عمليات عسكرية كثيرة وعمليات اغتيال بصفوف مسؤولين إيرانيين وكوادر في حزب الله أو من تنظيمات سورية موالية لهم، ما أجبرهم على إجراء عمليات إعادة تموضع والخروج من المناطق الجنوبية الأمامية في سوريا، وإخلاء المراكز، في مقابل الاحتفاظ بوجود عبر خلايا ومجموعات، لا وجوداً منظماً وفي مراكز معروفة.
الجولان والليطاني
تنظر إسرائيل إلى الجنوب السوري بعين الخطر أكثر من النظر إلى أي جبهة أخرى، لسبب واحد وأساسي، وهو أن هذه المنطقة كانت طوال عقود أهدأ الجبهات وأكثرها استقراراً، ويأمن إليها الإسرائيليون. وبالتالي، لا يمكن بالنسبة إليهم أن يتم التلاعب بها أو تغيير قواعد اللعبة فيها، لا سيما أن الجولان يشكل حساسية استثنائية بالنسبة إلى إسرائيل، انطلاقاً من خلفيات متعددة، استراتيجياً وعسكرياً، وجغرافياً، نظراً لضمه وتثبيت عملية الضم، واقتصادياً وسياحياً ومائياً. لذلك، أي عملية عكسرية تستهدف الجولان انطلاقاً من لبنان أو من سوريا يكون الردّ عليها قاسياً جداً بهدف تشكيل قوة ردعية بموجب هذا الردّ.
مع انخراط حزب الله في حرب المساندة لقطاع غزة، بدأ الإسرائيليون برفع مطالب تم نقلها عبر وسطاء، وتم التعبير عنها على ألسنة المسؤولين حول انسحاب الحزب إلى شمال نهر الليطاني، أو انسحابه لمسافة 10 كيلومتر عن الحدود. وتالياً، عمل الوسطاء على تجميل المطلب بالإشارة إلى عدم القدرة على سحب المقاتلين والكوادر والعناصر لأنهم أبناء القرى ويقطنون في منازلهم. هنا شرع الإسرائيليون في عمليات التدمير الممنهج لقرى حدودية على مسافة 5 كلم من الحدود، ووسعوا من عمليات الاغتيال بحق القيادات والكوادر والعناصر، في إطار تصعيد المعركة والضغط على الحزب أكثر. كما عملوا على تدمير الكثير من المراكز التي يعتبرونها عائدة للحزب أو منصات إطلاق الصواريخ. والهدف هو تحقيق تغير ميداني في المعادلة.
تغيير المعادلة
يشبه الطرح الإسرائيلي، مع آلية عملهم في لبنان، ما سرى عليه تعاطيهم في سوريا، من خلال عمليات اغتيال أو استهداف مراكز ومواقع وشحنات أسلحة. وعليه، أصبح لبنان في هذه المرحلة مشابهاً للواقع السوري، والذي من المرجح أن يطول ويستمر طالما لم يتم الوصول إلى اتفاق ديبلوماسي. هذه الوقائع أصبحت تتجاوز المعادلة التي وضعها حزب الله حول العودة إلى قواعد الإشتباك التي كانت قائمة قبل 7 تشرين الأول، بقوله إنه مع وقف إطلاق النار في غزة سيتم وقف اطلاق النار في لبنان. هذه المعادلة لن تكون سارية لدى الإسرائيليين الذين أصبحوا يتحدثون عن تغيير المعادلة والوقائع الأمنية والعسكرية كلها في "الشمال". وهذا يقود إلى ثلاثة احتمالات.
الاحتمال الأول، أن يتم الوصول إلى اتفاق سياسي وديبلوماسي برعاية دولية، حول وقف العمليات العسكرية وإعادة تموضع قوات الحزب في الجنوب مع سحب الأسلحة الثقيلة. هنا سيضطر الإسرائيليون إلى تصعيد عملياتهم في محاولة لانتزاع تنازلات من الحزب، يوحون من خلالها للداخل الإسرائيلي بأنهم حققوا ما يريدونه من أهداف تتصل بتوفير الاستقرار. وهم يريدون لذلك أن يكون علنياً.
الاحتمال الثاني، هو أن يكون الإسرائيليون في طور تفكير جديّ بشن عملية عسكرية واسعة في جنوب لبنان بعد حرب غزة، أو بعد معركة رفح، أو حتى في حال أحجموا عن الدخول إلى رفح، واقتنعوا بوجهة النظر الأميركية حول التركيز على عمليات الاغتيال من دون الاجتياح البري. هنا يمكن أن يفكر الإسرائيليون في نقل المعركة إلى جنوب لبنان، وفي هذا السياق يندرج كلام وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت عن أن وقف اطلاق النار أو عدم خوض معركة رفح سيؤدي إلى تقريب المعركة مع حزب الله.
الاحتمال الثالث، هو أن لا يتم الوصول إلى اتفاق سياسي، ولا تلجأ إسرائيل إلى شن عملية عسكرية واسعة في لبنان، وعدم التفكير باجتياح بري. ولكن مقابل إبقاء الجبهة مفتوحة، أو تحويل لبنان إلى ساحة مفتوحة لتنفيذ المزيد من العمليات العسكرية ضد مواقع، وكوادر وشحنات أسلحة، تحت شعار أو عنوان منع حزب الله من إعادة بناء قدراته العسكرية وتعزيزها في جنوب لبنان، وتحديداً جنوب نهر الليطاني. خصوصاً أن الحزب أعلن قبل أيام على لسان أحد مسؤوليه أنه عمل في شهر واحد على توفير صواريخ وأسلحة كان يعمل على توفيرها في فترة ستة أشهر. كلام يرد عليه الإسرائيليون بأنه لا بد من تغيير الوقائع ولا يمكن السكوت على استمرار الحزب في بناء قدراته وتعزيزها كما كان الحال منذ العام 2006. ما يعني إبقاء لبنان ساحة مفتوحة لضربات متنقلة.