فارق الغلافين

18 آذار 2024 22:06:58

من المطبخ الراقي، إلى مشارف الفضاء. رهان الطاهي راسموس مونك. عازم في العام 2025، على إقامة مأدبة فاخرة في الغلاف الجوي. يريد أن يأخذ فن الطهي إلى أفق جديد. يريد الطاهي راسموس مونك إثبات فن الطهي الدانماركي، من خلال الإستمتاع بوجبة العمر، مع شروق الشمس فوق منحنى الأرض.

 فقط، نصف مليون دولار ثمن الوجبة في الغلاف الجوي، لدى شروق الشمس على سفح الأرض. ثمة محظور أساسي خلال تقديم الطعام، هو عدم الشواء على نار الحطب. ستكون هذة الوجبة متعة القرن. وستعد عناصرها في مطبخ السفينة الفضائية، التي ستنطلق من الكبسولة. وسيدخل الطاهي الدنماركي راسموس مونيك التاريخ الحديث والمعاصر، أنه قدم أشهى وجبة في الغلاف الجوي، عند شروق الشمس على سفح الأرض، بسعر بخس: فقط خمسماية ألف دولار، للشخص. 

أما في غلاف غزة، ويا للمفارقة، فقد وصلت أول سفينة تحمل مساعدات غذائية، إلى جوعى الحرب الإسرائيلية على غزة وعلى غلاف غزة.

 وفي واحدة من أسوأ الوقائع، حتى الآن، أبلغت السلطات الصحية في غزة، عن مقتل21 شخصا على الأقل، وإصابة 150 آخرين، مساء الخميس الواقع فيه 14/3/2024، بعد إطلاق النار على حشد من الجوعى الفلسطينيين في غزة وفي غلاف غزة، إصطفوا للحصول على وجبة طعام، عند تقاطع الطرق في غلاف غزة. 

 شوهدت سفينة "إوبن آرمز" التي تحمل200 طنا من المواد الغذائية، على مسافة من شاطئ قطاع غزة الساحلي. وكانت السفينة هذة، قد قطرت من قبرص إلى غزة.

 وكان يشاهد في غلاف غزة أفواج الجوعى التي تهرع، للتحديق في البر وفي البحر. ينتظرون أن يروا وصول سفينة الإغاثة القادمة من قبرص. وكانوا أيضا يحدقون في السماء، ينتظرون إلقاء المساعدات بالمظلات إلى الأرض. فيندفعون وسط الأنقاض، على أمل الظفر بما يسد الرمق. في شهر الخير. في شهر رمضان الكريم.

 كانت المعارك متواصلة. وكان القصف مستمرا. وكان عرس الجوعى، قبالة الباخرة المحملة بعلب الإغاثة الغذائية، وتحت الطائرات المغيثة  بالزاد من الجو،  يتحول إلى مجزرة رهيبة، تساوي في فظاعتها، مجزرة الجوعى السابقة في غزة نفسها. 

 قالت وزارة الصحة الفلسطينية:  وصل إلى المستشفيات 100 شهيد، غالبيتهم من الأطفال والنساء وكبار السن، جراء إرتكاب الإحتلال الإسرائيلي المجزرة. ولا زال عشرات المفقودين، تحت الأنقاض. يتعثر على عمال الإنقاذ، سحب جثامينهم، من الحفر ومن تحت الأنقاض، وهم لا زالوا يتشبثون بالأرغفة والقصعات. 

 جميع غلاف غزة كان تحت النار الإسرائيلية، تحرق الناس، بقنابل الطائرات وبقذائف الدبابات، في البريج وبيت حانون وحي الزيتون. وفي النصيرات ودير البلح. وفي خان يونس ورفح. 

 الغلاف الجوي على موعد مع سفينة الطاهي راسموس مونك. والحجز يتم منذ الآن. وسعر الوجبة الواحدة، للشخص الواحد، عند شروق الشمس، على منحنى الأرض- 2025، فقط ب نصف مليون دولار.

أما غلاف غزة، فهو يتعرض تحت الشمس: ظهرا، وشروقا وغروبا، لمجزار جوعى رغيف الخبز والقصعة، مجزرة تلوى أخرى. وأما الأعداد من الشهداء والجرحى، فهي بالآلاف. وأما النيران، فهي تصب عليهم حممها، من البر ومن الجو. فتسيل غزة، ويسيل غلاف غزة بالدماء. على الرغم من وصول سفينة الإغاثة، أوبن آرمز، محملة من مطبخ خوسيه أندريس الوجبات المجانية لجوع مجازر الجوع في غزة. 

 تبا لهذا العالم أجمع! يسمح للسفاحين الأسرائيليين، أن يشووا الأطفال الفلسطينيين على الحطب. أن يشووا النساء و العجائز والشيوخ والمرضى على الفحم.! 

العالم كله كان في ذلك اليوم الواقع فيه 14/3/2024 يعيش، فالق الغلافين. العالم كله في ذلك اليوم سود وجه العالم وأحرقه حتى تفحم،  ينظر يا للعار الإنساني، فارق الغلافين: فارق الغلاف الجوي. وإليه فالق غلاف غزة!

 
*أستاذ في الجامعة اللبنانية

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".