"الخماسية" تواجه الخلافات واستعصاءات التسوية والحرب... "حزب الله" يربط الاستحقاقات بالجنوب واستنزاف لبنان مستمر؟
17 آذار 2024
17:08

Article Content
ياتي تحرك سفراء الخماسية في لبنان نحو القوى السياسية للبحث مجدداً في الملف الرئاسي والتسوية، في لحظة مفصلية تعكسها التطورات المرتبطة بجبهة الجنوب واستمرار المفاوضات للتوصل إلى هدنة في غزة. فإذا كان الهدف الرئيسي للسفراء هو استخلاص استنتاجات مما وصلت إليه المبادرات لإنجاز التسوية، إلا أن التحرك لا ينفصل عن مسار التطورات المحيطة بلبنان، وإن كانت الوجهة هي السعي إلى فصل الاستحقاقات الداخلية عما يجري في الجنوب وغزة استباقاً لأي حرب محتملة قد تنفجر وتنعكس على الوضع اللبناني كله.
حتى الآن لا مؤشرات توحي بأن "الخماسية" تمتلك قوة ضغط موحدة قادرة وروافع جديدة للدفع نحو تغيير الواقع اللبناني وانجاز الاستحقاقات، ذلك أن التصورات المتداولة حول الملفات الخلافية، لم تغيّر من الاصطفافات القائمة في ظل المواجهات على الحدود بين "حزب الله" وإسرائيل، وانسداد الأفق حول امكان تهدئة الجبهة والفصل بين لبنان وغزة. وعلى هذا تبدو حركة السفراء الجديدة وكانها تدور في حلقة مفرغة، إذ أن مبادرتها مقيّدة بالملفات الإقليمية خصوصاً الحرب في غزة وتأثيراتها على المنطقة، وسط تراجع انحسار حركة الموفدين الدوليين، مع إرجاء المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان زيارته المفترضة إلى لبنان والحديث عن عدم عودته نهائياً بعد فشل مهمته الأخيرة أو إعادة إطلاق مبادرته بعد التوصل إلى هدنة في غزة. ويشير مصدر ديبلوماسي متابع إلى أن المبادرة الفرنسية المرتبطة بلودريان قد تعطلت بعد الرد اللبناني على الورقة الفرنسية حول تسوية الحدود مع إسرائيل وإعادة الهدوء إلى الجنوب، وشعور الفرنسيين بتجاهل لبنان لمبادرتهم بعد التأخر في الرد، وبروز أصوات تعتبر أن الورقة منحازة إلى الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً بعد إعلان "حزب الله" رفضه لها.
النقطة الثانية التي تؤثر على تحرك الخماسية والمرتبطة ايضاً بالجنوب، هي توقف وساطة المبعوث الاميركي آموس هوكشتاين حول التهدئة على الجبهة واطلاق التفاوض حول القرار 1701، خصوصاً وأن هوكشتاين لم يقدم إجاباته حول الأسئلة اللبنانية بعد زيارته إلى تل أبيب، وذلك وسط حديث عن خلاف فرنسي- أميركي حول الملفات اللبنانية، وهو ما سينعكس حتماً على الأولويات لدى دول الخماسية. وقد ظهر وفق المصدر الديبلوماسي عتب فرنسي على لبنان الرسمي، ليس في ما يتعلق بالرد على الورقة الفرنسية فحسب، خصوصاً بعد الزيارة الاخيرة لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيغورنيه إلى بيروت بل خصوصاً في الرهان اللبناني على الوساطة الأميركية التي يتولاها هوكشتاين، والاقتناع السائد بأن لا قدرة لأحد غير الأميركيين على التهدئة والدفع بتسوية في الجنوب تنعكس على الاستحقاقات.
لن يكون بمقدور سفراء الخماسية مجتمعين بعد لقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري، زيارة كل الأفرقاء، إذ ليس ممكناً مثلاً مشاركة السفيرة الأميركية ليزا جونسون في لقاء جبران باسيل بسبب العقوبات، وايضاً اللقاء مع "حزب الله" وينسحب الأمر ايضاً على السفير السعودي وليد البخاري، علماً أن السفراء يجولون منفردين على القوى السياسية للبحث في التسوية بمعزل عن "الخماسية"، وهو ما يشير إلى أن الأولويات مختلفة بين الدول المهتمة بلبنان.
في تحرك "الخماسية" لا يمكن الفصل بين انجاز الاستحقاقات وبين التهدئة على جبهة الجنوب. الأمر مرتبط في شكل رئيسي بـ"حزب الله" وهي نقطة أساسية تحاصر اي تقدم في المشاروات لانتاج تسوية جديدة أو اقله التفاهم على تصورات سياسية لإخراج لبنان من أزمته، ومواجهة أي تدهور للأوضاع الجنوبية بحرب إسرائيلية واسعة أو بعمليات تدميرية تستمر في استنزاف لبنان. وتظهر المشكلة وفق المصدر الديبلوماسي أن الحزب غير مستعد للبحث في التسوية قبل وقف اطلاق النار في غزة أو الهدنة، وبالتالي يربط أي تقدم في الاستحقاقات الداخلية بالتطورات على جبهة الجنوب، وذلك على الرغم من إعلانه أنه لا يسعى إلى حرب واسعة وحصر معركته في إسناد غزة على الرغم من الاستنزاف الكبير للبنان.
لكن الوصول إلى بلورة مسار سياسي واضح للتسوية الداخلية لا يزال بعيداً، وسط استمرار الخطر من احتمال توسع الحرب الإسرائيلية، إذ أن "حزب الله" يتعامل مع الامر وكأنه يمكن إذا توقفت الحرب في غزة، العودة إلى المعادلات السابقة، ولهذا السبب يعتبر أن التهديدات الإسرائيلية هي مجرد تهويل، وأن المقاومة قادرة على الحاق الهزيمة بالاحتلال. فيستمر بربط جبهة الجنوب بغزة، ويرفض الاتفاق جنوباً، مستسهلاً أنه يمكن العودة إلى المرحلة السابقة، فيما الحرب الإسرائيلية التي تكسر قواعد الاشتباك تدمر قرى الجنوب. وهذه الوجهة جدد إعلانها الأمين العام للحزب حسن نصرالله أخيراً بالتأكيد على أن عمل المقاومة في لبنان وكل جبهاتها سيستمر، داعياً الولايات المتحدة الأميركية إلى الضغط على اسرائيل لوقف الحرب.
لكن ما لم يتطرق إليه نصرالله ويعقد مسار التسوية هو الاستنزاف الذي يلحق بلبنان ايضاً. إذ أن إسرائيل كسرت قواعد الاشتباك ووسعت عملياتها حتى باتت السيادة اللبنانية كلها مستباحة، وتسعى للمنطقة العازلة، وهي مؤشرات لحرب كبرى، بعد فرض أمر واقع على الأرض، لا يزال الأمين العام لـ"حزب الله" يرى فيه تهويلاً وهروباً إسرائيلياً من الاعتراف بالخسائر التي يتكبدها، بينما تسعى إسرائيل إلى إطالة أمد عملياتها.
المفارقة في ضوء تحرك الخماسية، ان نصرالله لم يجب عن التساؤلات اللبنانية عن أفق المعركة وطريقة إدارتها في ظل التصعيد الإسرائيلي وتوسيع حربه، وليس عما فعلته المقاومة في إسناد غزة. فإسرائيل التي نشرت 100 الف جندي على جبهة استمرت في حربها على غزة، وهي تهدد باجتياح رفح رغم مفاوضات الهدنة، إذ لا يفيد الكلام عن "عضّ الاصابع والغلبة والنصر هو لمن يتحمل" بل في النظر إلى ما يمكن فعله لوقف الاستنزاف طالما أن إسرائيل تواصل الاستهدافات والاغتيالات والضربات في العمق، وترفض العودة إلى المعادلات السابقة قبل "طوفان الأقصى".
يستبعد المصدر الديبلوماسي أن تحقق جولة "الخماسية" الجديدة انجازات أو تخرق الاستعصاءات القائمة حول الملف الرئاسي والتسوية، لكن تحركها يعتبر مؤشراً إيجابياً إلى استمرار الاهتمام الدولي بلبنان، وان كانت حسابات الدول وغاياتها متفاوتة أو مختلفة، ولذا يعتبر أن تلقف هذه المبادرة مسالة مهمة ويجب أن تكون أولوية خصوصاً من "حزب الله"، إذا كان يريد فعلاً سحب الذرائع أمام تهديدات الاحتلال الإسرائيلي بالحرب واستمراره باستباحة السيادة اللبنانية.
عمليات إسرائيل تتوسع يوماً بعد يوم عبر التصعيد المتمادي لمنع الأهالي من العودة إلى منازلهم، وهو ما يعني إطالة أمد الحرب واستنزاف لبنان ما يستدعي تلقف المبادرات الدولية إن كان في تحرك الخماسية أو من خلال الوساطات حول الجنوب لوقف استنزف لبنان، فانخراط "حزب الله" في التسوية وفصل حساباته الإقليمية، يحتاج إلى إعادة صوغ سياسات لبنانية تقدم مصلحة البلد أولاً وأخيراً وتجنب لبنان استنزافاً طويل الامد يفاقم أزماته ويمنع استعادة توازنه. لكن ما يحدث الآن لا يُبشر بالخروج من المأزق.