Advertise here

عبد الحميد ليس أكثر فلسطينية!

16 تموز 2019 13:56:00 - آخر تحديث: 04 أيلول 2020 15:40:13

 كانت أوروبا تنتظر موت السلطان عبد الحميد الثاني لتقسيم تركته، بينما كان اليهود يسعون لإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين بمساعدة بريطانية، في حين "كان الذين يعنيهم الأمر في المنطقة، في ذلك الوقت، غير واعين لما يُدبّر لهم"، كما  يقول المؤرخ والصحافي المصري محمد حسنين هيكل في كتابه "المفاوضات السريّة بين العرب وإسرائيل".
ويقول رئيس منظمة الصهيونية العالمية، تيودر هيرتزل في يومياته عام 1896، قبيل زيارته اسطنبول: «سوف نقدم للسطان 20 مليون جنيه إسترليني لإصلاح الأوضاع المالية المتدهورة في تركيا، منها مليونان بدلًا عن فلسطين، و18 مليونًا يُمكن استخدامها في تحرير تركيا من الحماية الأوروبية، وشراء سندات ديونها»، لكنه في تلك الزيارة لم يستطع مقابلة السُلطان، فكتب: قابلت ابن الصدر الأعظم وهو مستعد لتفهم مشروعنا والمساعدة فيه، لكن اعتراضه الوحيد هو مصير الأماكن المُقدسة.
بعد خمس سنوات في عام 1901 نجح هرتزل في مقابلة السُلطان لمدة ساعتين بمساعدة من رجال القصر، وقام بعرض مشروعه وصفقته التي قوبلت بالرفض التام، رغم تدخل الوساطات، ومنها إمبراطور ألمانيا الحليف الأوحد لعبد الحميد الثاني في أوروبا، وتشير المذكرات التي كتبها هرتزل إلى أن السُلطان في النهاية رفض طلبه ورد الوفد اليهودي.
تنطبق هذه المشهدية على حال المنطقة اليوم: بدل هرتزل حل جاريد كوشنير، وبدل الـ 20 مليون جنيه استرليني عرض 50 مليار دولار اغلبها من مال العرب، تحديدا أهل النفط، لـ"رشوة" عرب فلسطين وضمان أمن اسرائيل، و"إغواء" دول الجوار بأقل من نصف المبلغ نفسه بنسق هرتزل نفسه.(مليونان بدلًا عن فلسطين، و18 مليونًا لتحرير تركيا من ديونها).
 تحمس كثر من أنظمة العرب لمؤتمر المنامة الخاص بـ "صفقة القرن"، ربما غير واعين بما يدبر للمنطقة، أو متجاوزين هذا الوعي، كما كان الحال زمن عبد الحميد، حين شجعتهم بريطانيا على "الثورة العربية الكبرى" للإستقلال عن السلطنة العثمانية، ووعدتهم بدعم قيام المملكة الهاشمية، قبل أن تجهضها، وتتقاسم المنطقة مع فرنسا، وترعى غزو يهود أوروبا لفلسطين، وإقامة دولة إسرائيل على أراضيها، ومحلها، بعد تقسيم للأراضي لم يمنع توسيع مداها بالحروب المتكررة. لكن عبد الحميد هذه المرة كان الشعب الفلسطيني نفسه، بسلطته الوطنية وفصائله، وقواه الأخرى. فالكل تجاوز أزماته، وتمسك بوطنيته، ولم تغشه "إغواءات" الوسطاء، من الحلفاء و"الأقارب" وأبناء جلدته. وكما لم تغو ملايين الإسترليني عبد الحميد، لم تغو ملايين الدولارات الأميركية شعب فلسطين، ولم تلجم "مسيرات العودة" عن الإستمرار ، ولم تنكفئ برغم 66 أسبوعا على بدئها، من دون أن تفتر عزيمتها.
المشهدية الراهنة تؤكد أن الفلسطينيين هم من يحمون قضيتهم، وليس الآخرون سوى "كومبارس" ليس في امكانهم أن يقدموا أو يؤخروا إلا بمقدار التصاقهم بأهل القضية الفعليين، أو بعدهم عنهم، وليس أمامهم سوى خيارين، بلا ثالث: إما خيانتها، أو التراصف خلف قيادتها، خوفا منها، أو خوفا عليها. لكن لا يكفي قول لا لـ"صفقة القرن" لأن من يتبناها لن يتراجع عما تخبئ من خطط لسلام مشوه، أقرب إلى الإستسلام، هدفه إجهاض القضية الفلسطينية، بتجاهل أنها قضية شعب لا أزمة جائعين، وإن كانوا كذلك فهم جائعون إلى ارضهم وسيادتهم غير المنقوصة عليها، وحرية قرارهم فيها. وغير عقلاني أن يقبل الفلسطينيون، والعرب استطرادا، ما رفضه السلطان العثماني قبل 121 عاما.
والسؤال اليوم، ماذا نخبئ للآتي من "كمائن" الثنائي الأميركي كوشنير وغرينبلات، بعد جس النبض الفلسطيني والعربي في مؤتمر المنامة، الذي عبر كأنه لم يكن، لكن تردداته لن تتأخر.
راشد فايد 
بيروت