ثلاثة ايام تفصلنا عن شهر رمضان المبارك، ولهذا الشهر تقاليد وعادات متوارثة في مدينة طرابلس، التي عادة تحتفي بقدوم الشهر باقامة الاحتفالات والابتهالات الدينية في كل انحائها، اضافة الى مظاهر الزينة والانوار التي تتلألأ. وقد باتت مدينة طرابلس تاريخيا شاهدة على اهمية شهر الصيام لدى ابنائها، سواء من ناحية الليالي الرمضانية في المساجد، او من ناحية المآدب والافطارات اليومية.
غير ان شهر رمضان هذا العام، يأتي في ظل ظروف اشتدت فيها الضغوط المعيشية والاقتصادية، وفي وقت لا تزال فيه شوارع المدينة غارقة بالنفايات من جهة، ومن جهة ثانية بالفجوات الاجتماعية التي تفاقمت حدة في احيائها الشعبية، حيث الرواتب ليست كافية لمصاريف حد ادنى من مائدة افطار متواضعة، فكيف الحال وفلتان اسعار السلع والمواد الغذائية، وخاصة ان الحاجيات الرمضانية الاساسية قد ارتفعت مع قدوم شهر رمضان، بغياب فاقع لاجهزة الرقابة الرسمية، وعلى رأسها وزارة الاقتصاد، وغياب لافت للمكاتب السياسية التي كانت تسند خابية المواطن..
اسعار الخضر والمواد الغذائية سجلت في اسواق طرابلس ارتفاعا بلغ 10 بالمئة للسلع الاساسية التي يحتاجها الصائم، وهو دلالة على ابشع استغلال للصائمين، ولجني ارباح في شهر موصوف بالكريم وبالرحمة والبركة، ولذلك تلمس في الاسواق خلال جولة عشوائية امتعاضا لدى العائلات، ممزوجا بالقهر مع علامات استفهام حول غياب الوزارات المعنية، والاهم غياب الضمير لدى بعض التجار ممن لا يأبهون لمعاني الشهر، مع مبررات التجار الذين يلقون باللائمة على الدولار وعلى كبار المحتكرين والمستوردين ..
لم تعد الاضواء الرمضانية التي اعتادت عليها شوارع المدينة، لكن مبادرات بعض الجمعيات المحلية عمدت الى سد الثغرات، كجمعية "انا وانت للخير" التي تكاد تكون شبه وحيدة تعمل على زينة الشوارع ، وجمعيات او شخصيات ترفض الاشارة الى اسمائها، بدأت تجهّز الوجبات الرمضانية للفقراء والمحتاجين والعائلات المتعففة. والملاحظ ان مكاتب النواب والسياسيين غابت عن السمع، وليس من مؤشرات الى انها ستقف ساندة للعائلات في الازمة المعيشية الخانقة، في مدينة هي الافقر باعتراف المنظمات الانسانية العالمية. واذا البعض من السياسيين حاول تقديم هبة ما، فهي لا تسمن ولا تغني عن جوع، ولم تكن الهبة الا مجرد استثمار اعلامي دون ملامسة حقيقة الازمة.
ثلاثة ايام قبل حلول رمضان، وليس في الاسواق ازدحام كالمعتاد ، وهذا يعود لسببين: اولا تأخر صرف الرواتب، وثانيا لارتفاع اسعار السلع.
عادة كانت الاسواق تعج بالمواطنين الذين يحضرون حاجياتهم الرمضانية، لكن هذا العام اختلفت الاوضاع في وقت ان موارد الرزق باتت شحيحة، حتى الرواتب وإن صرفت فهي غير موازية لاسعار ترتفع بين وآخر دون رقيب او حسيب.
ويسأل مواطن المسؤولين: هل جربتم الجوع؟ وهل جربتم الفقر؟ وما هي مشاعركم حين يحين الافطار والمائدة خالية من طعام كاف لخمسة اشخاص؟
ويشير ومواطن آخر بيديه الى شوارع المدينة صادحا: انظروا الى شوارع طرابلس التي عرفت تاريخيا بانها أم الفقير، أليست كئيبة هذه الشوارع؟ فاذا كانت شوارعها كئيبة، فماذا تتوقع من منازل عائلاتها ومن احيائها الشعبية؟
كانت الشوارع تشهد اضاءات وانوارا تجعل ليلها نهارا، لكنها اليوم تبدو شاحبة، تشكو من الجوع والفقر والفوضى والفلتان، وكأنها خالية من مرجعية او قائد، ونوابها عاجزون عن استنهاضها او انتزاع حقوقها، الا ان الامل معقود على مبادرات فردية وعلى جمعيات علها تبلسم بعض الجراح والاوجاع. والمطلوب اساسا، جولات رسمية لمنع الجشع ومراقبة الاسعار، الى جانب مراقبة جودة المواد الغذائية التي تباع في الاسواق، دون تدقيق بسلامتها الصحية وبصلاحيتها للاستهلاك.