التجّار يستخدمون المخزون للحصول على أرباح أعلى من خلال احتكار المواد ورفع الأسعار
يشهد لبنان حاليا أزمة خانقة في ارتفاع أسعار البضائع، وهذه الكارثة تعود جزئياً إلى إضراب موظفي القطاع العام في الدوائر الرسمية، الذي أدى إلى عرقلة العديد من الخدمات الحكومية، بما في ذلك الإجراءات الجمركية وفحص البضائع المستوردة وتقييدها. وتسبب هذا التوقف في تأخير الشحنات وزيادة تكاليف الاستيراد، والذي يؤدي في النهاية الى تضخم أسعار المواد الغذائية في الأسواق.
إلى ذلك، يواجه لبنان عقبات في نقل السلع الأساسية من جميع أنحاء العالم، بسبب مشكلة البحر الأحمر، حيث تعاني السفن من صعوبة في المرور وتباطؤ وصولها الى الموانئ اللبنانية، بسبب التوترات الأمنية بين الحوثيين والأميركيين في المنطقة، فتعرقلت حركة الشحن وتضاعف التضييق على الإمدادات الغذائية.
وبالنظر إلى هذه المشكلات المتزايدة، حكومة تصريف الاعمال غائبة ولا تعمل على اتخاذ إجراءات للتصدي لهذه الأزمة، بما في ذلك البحث عن مصادر بديلة لتوفير الدعم للمزارعين المحليين لمضاعفة محصولهم. لذلك، تبقى التحديات كبيرة، خاصة مع استمرار تفاقم الأوضاع الأمنية في منطقة البحر الأحمر وعدم وضوح المشهد السياسي في لبنان، مما يجعل الوضع أكثر تعقيدا ويعزز من تعسّر ثبات الأسعار.
الأسعار "حلّقت"
في موازاة ذلك، اعتبر خبراء في مجال الاقتصاد ان رفع الأسعار قبيل شهر رمضان، يعود إلى عدة عوامل، منها:
- تراكم الطلبات: يعد هذا الشهر فترة حيوية للتجارة، حيث يشتد الطلب على السلع الغذائية والمنتجات الاستهلاكية، وينتهز البائعون هذه الحركة الزائدة لتضخيم الأسعار ومضاعفة أرباحهم.
- التوقعات بالفائض: يمكن أن يؤدي الاستهلاك المرتفع خلال شهر رمضان إلى نفاد السلع من المستودعات، وتوقعا لهذا التصاعد في الطلب، يرفع التجار الأسعار مسبقا لتعويض أي زيادة محتملة في تكاليف الشراء.
- التكلفة الإضافية: قد تزيد نفقات التجارة خلال رمضان، بسبب العروض والتخفيضات التي يضطر التجار لتقديمها، الى جانب تكاليف العمالة وساعات العمل الإضافية.
- اغتنام المناسبة: يعتبر شهر رمضان فرصة لبعض التجار لاستثمار الديناميات الاجتماعية والثقافية لرفع التسعيرة، ويرتبط رفع الأسعار بشكل عام بأسباب تجارية واقتصادية، ولا يكون بالضرورة متصلا بالأزمات الاقتصادية العالمية أو التوترات الأمنية في المنطقة.
من اين يستورد لبنان؟
فوق ذلك، يستورد لبنان اغلبية المواد الغذائية من عدة دول، من بينها:
- تركيا: التي تعتبر المصدر الأساسي لإيراد اللحوم والدواجن والحبوب والفواكه والخضروات.
- الاتحاد الأوروبي: يتم نقل الألبان والمشروبات والزيوت والمعكرونة والحلويات من فرنسا وإيطاليا وألمانيا وهولندا.
- البرازيل والأرجنتين: لشراء اللحوم والدواجن والحبوب.
- ?الهند والصين: لجلب الأرز والتوابل والشاي.
أما بالنسبة للمنافذ التي تأتي منها البواخر إلى لبنان، فهي تشمل:
- المعابر البرية: يتم استيراد التموين عن طريق الحدود البرية مع سوريا.
- الطريق البحري: تأتي معظم الامدادات إلى لبنان عبر البحر المتوسط تحديدا، وتصل السفن عادة إلى مرفأ بيروت.
- النقل الجوي: يتم استيراد بعض المواد الغذائية الطازجة جوا، ولكن الشحن الجوي غير شائع بسبب التكاليف الباهظة.
التخزين كافٍ!
فوق ذلك، من الصعب تحديد إذا كان لدى التجار اللبنانيين ما يكفي من المواد والسلع في المستودعات، حيث تختلف ظروف السيولة من تاجر إلى آخر. ومع ذلك، يمكن أن يلجأ البعض إلى استخدام المخزون كوسيلة للحصول على أرباح أعلى، من خلال احتكار المواد ورفع الأسعار خلال فترات زيادة الطلب، مثل شهر رمضان. وتلعب عوامل متعددة دورا في هذا السيناريو، بما في ذلك العرض والطلب، وتكلفة المواد، والسياسات التجارية، وضغوط السوق. لذلك من الضروري أن تتخذ الحكومة إجراءات لمنع الاحتكار وضمان توفر المواد الغذائية الأساسية بأسعار معقولة للمواطنين.
تجدر الإشارة، الى ان لبنان لا يستورد الكثير من البضائع عبر البحر الأحمر، بسبب المسافة البعيدة بينه وبين هذا الممر البحري. بالإضافة إلى ذلك، يعتمد بشكل أساسي على الموانئ البحرية في البحر الأبيض المتوسط لاستيراد البضائع. اما نسبة السلع التي يستوردها لبنان عن طريق هذه القناة فهي محدودة جدا من إجمالي وارداته البحرية.
القطاع الغذائي رهينة!
وفي هذا المجال ، قال رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي لـ "الديار" ان "التداعيات الجسيمة للإضراب الّذي أعلنه موظفو وزارة الزراعة ومراقبو حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد والتجارة، لا سيّما لناحية توقّف إدخال البضائع، خصوصا المواد الغذائية عبر المعابر الحدودية والموانئ اللبنانية". واشار الى ان "القطاع العام له احقية الاضراب، لكن معالجة هذه المسألة ليس من اختصاصنا، والمطلوب من السلطات المختصة إيجاد الحلول المناسبة. لذلك لا يجب ان يكون المرفأ ومطار بيروت رهينة التجاذبات السياسية الحاصلة نتيجة الازمة الاقتصادية وغيرها من المشكلات".
أضاف "ليس من المنطق كلما وقع امر ما في البلد ان يحصل اضراب، ونحن كقطاع مواد غذائية نكون مجبرين على الانتظار ،خصوصا وان هناك الكثير من المواد تتطلّب إجراء فحوصات لها ومصادقات من قبل وزارة الزراعة، وكذلك معاينة من قبل مراقبي حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد والتّجارة. لذلك فإنّ عدم القيام بهذه الخطوات من شأنه عدم إدخالها وتكبيد أصحابها تكاليف إضافيّة، فضلًا عن مخاطر تلف بعض أنواع المواد الغذائيّة".
واكد "ان البضائع متوافرة والرفوف لم تفرغ، لكن مشكلة البحر الأحمر لم تنته بعد، وكنا نبهنا وقلنا ان ذلك سوف يؤدي الى تأخير في شحن البضائع وارتفاع بأسعار المواد الغذائية القادمة من الشرق الأقصى، بسبب زيادة تكاليف النقل وانكفاء البضائع، ونحن على مشارف شهر رمضان والفصح. ولم تلبث السلع ان وصلت رغم انها تأخرت، حتى علقت في المرفأ، وهذا الامر غير مقبول ويكلّف التجار خسائر كبيرة، ويؤدي الى ارتفاع الأسعار على المستورد الذي يضطر الى إضافة كلفة التخزين والتأخير في المرفأ على كلفة الامدادات، وبالتالي يتأثر الاقتصاد بشكل عامل".
واوضح "ان هناك كميّات كبيرة من المواد الغذائيّة المستورَدة الّتي تصل تباعا في هذه الفترة لإمداد الأسواق بها، لكن توقّف عمليّة إخراجها من المرافئ يؤدّي في النهاية إلى حصول نقص حادّ بالبضائع في الأسواق، ويؤثر بشكل مباشر في إمدادات شهر رمضان. فالتاجر يملك إمكانيات محدودة في ظل غياب التسهيلات المصرفية، لذلك بات المستورد يحسب اموره على القطعة وفقا للسيولة المتوافرة لديه، وقدرة الاستيعاب التي تسمح بشراء كمية سلع معينة. ولا يجب ان ننسى ان الشركات في الخارج لا تقوم بتمويلنا، ونشتري على قدر المستطاع ولا يوجد فائض في المخازن، لذلك شبح وجود ازمة في هذا المجال امر وارد".