كيف تهدّد حرب البحر الأحمر مستقبل قناة السويس؟
25 يناير 2024
10:59
Article Content
دخلت التوترات في البحر الأحمر مرحلة جديدة من التصعيد منذ بدأ الحوثيون في اليمن اعتراض واستهداف سفن الشحن التي تعبر البحر الأحمر وتملكها أو تشغلها شركات إسرائيلية أو تنقل بضائع من وإلى إسرائيل تحت شعار التضامن مع الفلسطينيين ومطالبة إسرائيل وقف عدوانها على قطاع غزة، وباتت هذه التوترات تنذر بمخاطر عدة ليس على أمن واستقرار الممرات المائية وحركة نقل البضائع فحسب بل على دور قناة السويس ومستقبلها كممر مهم لحركة التجارة العالمية وكشريان حيوي للإقتصاد المصري.
فاعتراض ناقلة حاويات بريطانية واستهدافها إحدى السفن الأميركية في 9 كانون الثاني الجاري باعتبارهما يدعمان العدوان الإسرائيلي، دفعت شركات الشحن العالمية إلى تحويل مسار سفنها بعيدا عن قناة السويس، واتخاذ طريق رأس الرجاء الصالح الذي يدور حول قارة أفريقيا بالكامل قبل الوصول إلى أوروبا. كما استدعت واشنطن وبريطانيا وعدد من الدول الى تشكيل تحالف دولي لحماية الملاحة البحرية والرد على هجمات الحوثيين، لا بل نفذت مقاتلات أميركية وبريطانية هجمات مشتركة على 16 موقعا حوثيا بستين ضربة جوية وصواريخ الكروز والتوماهوك.
رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع، كشف عن "أن إيرادات القناة انخفضت أول 11 عشر يوما من العام الجاري بنسبة 40 بالمئة عن الفترة نفسها من العام الماضي، وقال إن حركة عبور السفن تراجعت 30 بالمئة في الفترة من الأول من كانون ثاني 2024 إلى 11 من الشهر نفسه على أساس سنوي، وأشار إلى أن التراجع جاء بواقع 544 سفينة مقارنة بـ 777 سفينة العام الماضي، بينما تراجعت الحمولات بنسبة 41 بالمئة في ذات الفترة مقارنة بعام 2023".
أرقام التراجع المسجلة في قناة السويس خلال الأيام الماضية من العام الجاري، هي الأدنى منذ أزمة جنوح سفينة إيفرغرين خلال شهر آذار 2021، بحسب بيانات صندوق النقد الدولي وجامعة أكسفورد، وإذا استمرت لفترة أطول سيكون لها تأثيرات سلبية مباشرة على الاقتصاد المصري الذي يعاني من أزمة نقص في العملات الصعبة.
قناة السويس شريان الاقتصاد المصري والمورد المهم للإيرادات الدولارية التي تجاوزت قيمتها 10 مليارات دولار العام الماضي، هي أيضا ممرا منخفض التكلفة للسفن العالمية التي تنقل الشحنات من الشرق للغرب ومن الغرب للشرق بسبب قصر المسافة التي تسلكها والتي تختصر عليها رحلة تصل إلى أسبوعين حول رأس الرجاء الصالح وبتكلفة إضافية تبلغ مليون دولار لكل واحدة من السفن العملاقة، كما أنه ليس بالممر الآمن لعبور السفن في هذا التوقيت بسبب أحوال الطقس.
مما لا شك فيه ان ارتفاع مستوى المخاطر حول قناة السويس، يعيد الى العلن الحديث عن الطرق والممرات البديلة، سواء كانت بحرية أو برية أو تجمع الإثنين معا، وعلى الرغم من أن أغلب هذه المشاريع للممرات والطرق البديلة تواجه مشكلات سياسية إلا أن تنفيذها سيتسبب بخسائر مالية كبيرة لمصر بسبب اقتناصها لجزء من حركة التجارة، ومن هذه المشاريع
ممر بحر الشمال، والذي تستثمر فيه روسيا بشكل كبير وترى فيه أهمية استراتيجية، يتحول يوما بعد يوم إلى حقيقة بفعل التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض وذوبان الجليد، ما يجعل الممر الممتد من نوفايا زيمليا أقصى الشمال الغربي لروسيا، إلى مضيق بيرنغ في الشرق، صالح للاستخدام لفترات أطول سنويًا.
وقبل أيام قال عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن ممر الشمال يصبح "يوما بعد يوما أكثر كفاءة من قناة السويس في نقل البضائع". لكن خبراء النقل البحري واللوجستيات، يرون أن ممر بحر الشمال ليس حلا دوليا بديل عن قناة السويس بل هو حل يخدم دولة بعينها، فهذا الممر يشهد "مناخا غير ملائم لحركة السفن ولا يعمل بانتظام طوال العام، ولا يمر عبر جميع الدول". إلا أن خبراء آخرين رأو أن الممر "قد يصبح في وقت من الأوقات بديلا عن قناة السويس فيما يتعلق بالبضائع الصينية المتجهة الى أوروبا. والتي تشكل نحو 25 بالمئة من صادرات الصناعات الصينية".
تتحرك في هذا الممر حاليا السفن من نوع كاسحات الجليد، خلال الفترة ما بين شهر تموز ونهاية شهر تشرين ثاني من كل عام، وتمتلك روسيا 3 سفن حديثة من تلك النوعية، استخدام ممر الشمال يقلل من وقت الرحلة من موانئ البلطيق إلى مصافي التكرير في شمالي الصين نحو أسبوعين من زمنها، مقارنة بالتحرك حول أوروبا مرورا بقناة السويس أو ما يعادل 30 بالمئة، وقد بلغ حجم البضائع المنتقلة عبر ممر بحر الشمال عام 2023" 34 مليون طن فقط". في الوقت الذي تعمل روسيا على تطوير الممر وبناء أسطول من السفن الخاصة التي تعمل بالطاقة النووية، حيث من المتوقع زيادة حجم البضائع المارة إلى 50 مليون طن العام الحالي.
هناك أيضًا ممرات أخرى قيل إنها قد تكون بديلة لقناة السويس مثل مشروع خطط السكك الحديدية الذي تتعاون فيه روسيا وإيران بهدف إنشاء ممر تجاري يربط كل من الهند وإيران وروسيا وأذربيجان ودول أوروبية أخرى، والتي وقع الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين، والإيراني إبراهيم رئيسي، في أيار الماضي اتفاقية، لتمويل وإنشاء خط السكك الحديدية بين مدينتي رشت وأستارا الإيرانيتين، كبداية للمشروع الأكبر، إلا أن مثل هذا المشروع يواجه صعوبات عديدة في تنفيذه بسبب العقوبات المفروضة على إيران وروسيا من جهة، وصعوبة التضاريس من جهة أخرى.
ومن المشروعات المنافسة لقناة السويس، طريق التنمية إلذي يربط ميناء الفاو في جنوب العراق الغني بالنفط بتركيا، ويختصر وقت السفر بين آسيا وأوروبا وتقدر قيمته بـ17 مليار دولار ولدى الحكومة العراقية تصور بأن تنقل قطارات عالية السرعة البضائع والمسافرين بسرعة تصل إلى 300 كيلومتر في الساعة، بالإضافة إلى مد خطوط إلى مراكز الصناعة المحلية والطاقة والتي يمكن أن تشمل أنابيب النفط والغاز. ووفقا للخطط، سيتم ربط طرق النقل الرئيسية بميناء الفاو الرئيسي على شواطئ الخليج. عبر تحديث وبناء أكثر من 1.2 ألف كيلومتر من السكك الحديدية وطرق سريعة تربط العراق بالدول المجاورة.
إلا أن الممر الأكثر تأثيرا على قناة السويس والذي ألمح إليه الرئيس وليد جنبلاط في تغريدة له عبر موقع إكس "إن الحرب في البحر الأحمر تلحق ضررا فادحا بمصر وتعزز فرص استبدال قناة لسويس بالخط البري المقترح من قبل الهند والذي يصب عبر الصحراء في حيفا. ومن جهة أخرى فإن اقتصاد الصيني سيتأثر لصالح الهيمنة الأميركية على العالم. ملاحظة "هذا الممر الإقتصادي الذي تم الإعلان عنه في ايلول الماضي، والذي يربط بين الهند وأوروبا عبر الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل والذي اطلق عليه البيت الأبيض إسم "الممر التاريخي" يربط الدول الموجودة فيه عبر سكك حديدية وموانئ، تنقل البضائع الهندية وفق هذا الممر الاقتصادي إلى أوروبا، وهذا المشروع الذي شكل في حينه نقطة انطلاق لمفاوضات جدية لتطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل قبل عملية طوفان الأقصى، يرى العديد من الدبلوماسيين أنها باتت بعيدة المنال بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة.
إن تنفيذ مثل هذا المشروع "يسهل حركة مرور التجارة ويقلص فترة عبور البضائع ما بين 4 إلى 7 أيام"، لكنها تبقى رغم ذلك أقل فاعلية من قناة السويس بحيث أن سكك الحديد والطرق البرية يمكنها تمرير حجم محدود من البضائع فالقطار يمكنه حمل 80 او 100 حاوية، بينما السفينة تحمل نحو 18 ألف حاوية، إضافة إلى أن هذا المشروع يحمل أهداف سياسية باعتباره منافس لمبادرة الحزام والطريق الصينية من جهة ودمج إسرائيل في المنطقة وتسهيل عملية التطبيع معها وتسهيل مرور النفط والغاز من الخليج إلى أوروبا.
على الرغم من ضخامة تلك المشاريع وأهميتها والتي بدأ بعضها العمل بالفعل، يرى بعض الخبراء ان "هذه المشروعات قد تضر بالإقتصاد المصري وربما تسبب توترات لها مع دول عربية مشاركة في تلك المشروعات والمرشحة لتكون منافسا لقناة السويس"، إلا أن العديد من الخبراء يتفق على أن "قناة السويس ستبقى كشريان شحن أساسي وحيوي لسنوات عديدة."
يبلغ طول قناة السويس 192 كيلومترا، وتمتلك أهمية بالغة لتجارة النفط العالمية، فبحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية، فإن نحو 9.2 مليون برميل يوميا من النفط قد تدفقت عبر القناة في النصف الأول من عام 2023 أي حوالي 9 بالمئة من الطلب العالمي. كما أشارت شركة "إنرجي أسبكتس" الاستشارية في تقرير لها، أن حوالي 4 بالمئة من واردات الغاز الطبيعي المسال العالمية وتقدر بنحو 391 مليون طن في عام 2023، مرت عبر القناة.ويمكن للقناة أيضا استيعاب أكثر من 60 بالمئة من إجمالي الأسطول العالمي للناقلات عند تحميلها بالكامل، وأكثر من 90 بالمئة من ناقلات البضائع السائبة. ويمكنها أيضا استيعاب جميع ناقلات الحاويات وناقلات السيارات وسفن البضائع العامة.