ترتفع لهجة التصعيد الإسرائيلية اتجاه حزب الله ولبنان يوماً بعد آخر. على الرغم من تكرار المواقف الإسرائيلية المحذرة لحزب الله منذ بداية المواجهات، والتي أصبحت تشير إلى نوع من الرتابة الموجهة إلى الداخل الإسرائيلي.. إلا أن حكومة بنيامين نتنياهو تعيش أزمة حقيقية، سياسية وشعبية، حول كيفية التعاطي مع الجبهة اللبنانية.
فما قاله الوزير في حكومة الحرب غادي ايزنكوت حول منع نتنياهو من شن حرب على لبنان بعد 4 أيام على عملية طوفان الأقصى، يشير إلى استمرار الخلاف والصراع حول لبنان.
في المقابل، يتحدث رئيس الأركان ووزير الدفاع عن أن الحرب مع حزب الله بحكم الواقعة، وأن إسرائيل تريد "إعادة سكان الشمال إما بحلّ ديبلوماسي أو بعملية عسكرية". ولكن ما بين الموقفين، لا تزال تصل إلى لبنان رسائل دولية تفيد بأن قرار الحرب الإسرائيلي متخذ، ولم يحدد التوقيت بعد.
معركة بين حربين
أمر لافت لا بد من تسجيله في الأيام الماضية، ربطاً بالتطورات العسكرية في الجنوب، وهو برز بعد زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين. إذ عبر الإسرائيليون عن نيتهم بإعادة عدد من سكان المستوطنات التي تبعد مسافة ما بين 3 و4 كلم عن الحدود، في مقابل عدم تحقيق الضربات الإسرائيلية لمواقع حزب الله أي إصابات في صفوف كوادر الحزب وعناصره، وعدم سقوط شهداء.
لهذا الأمر احتمالان، الأول أن تكون الإجراءات الاحترازية المتخذة هي التي منعت ذلك. والثاني، أن يكون التفاوض أفضى إلى تكريس معادلة جديدة تركز على استهداف المقرات العسكرية فقط.
لكن ما يجري عملياً هو معركة بين حربين. حرب غزة من جهة، وحرب لبنان في حال اندلعت من جهة ثانية، على الرغم من تكثيف المساعي الدولية والديبلوماسية لمنع حدوث هذه الحرب.
ويمكن تقسيم المواجهات الدائرة على الحدود إلى ثلاثة مراحل.
المرحلة الأولى، والتي كان يركز فيها الإسرائيلي على استهداف خلايا وعناصر الحزب الذين يعملون على تنفيذ عمليات، بالإضافة إلى استهداف نقاط المراقبة والمواقع في الخطوط الأمامية.
أما المرحلة الثانية، فهي استهداف مراكز عسكرية ومدنية أبعد من الشريط الحدودي.
والمرحلة الثالثة هي تكثيف الغارات وتشكيل أحزمة نارية في مناطق متعددة جنوب نهر الليطاني، وتوجيه ضربات مركزة في شماله.
ففي جنوب النهر، عمل الإسرائيليون على تنفيذ حزام ناري في منطقة وادي السلوقي، ووادي الحجير، كما يكثفون من عمليات القصف في كفركلا، عيتا الشعب، وحولا، راميا وغيرها، بالإضافة إلى استهداف المنازل.
أما في شمال النهر فقد وجه الإسرائيليون أكثر من مرة ضربات إلى مواقع ومراكز أساسية للحزب، كما يحصل في جبل صافي وجبل الريحان وما بينهما.
النقاش الإسرائيلي وردّ الحزب
في تقييم هذه العمليات، يمكن الاستنتاج أن الإسرائيليين يحاولون تحقيق أهداف من دون حرب، وإبقاء الحزب في حالة لا ينزلق فيها إلى حرب. فيعملون على توجيه ضربات مركزة لأماكن ومواقع مهمة في القيادة الميدانية للحزب، وتدمير بنى تحتية عسكرية وفق طريقة الإستنزاف. أي تحويل منطقة جنوبي نهر الليطاني إلى ما يشبه الساحة السورية بالنسبة للإسرائيليين. بذلك، يسعى الإسرائيليون إلى تحقيق الشروط التي يفرضونها علانية في إخراج مقاتلي الحزب وأسلحته الثقيلة إلى شمال الليطاني، بواسطة عمليات الاستنزاف هذه، بالإضافة إلى عمليات اغتيال للكوادر والقادة الميدانيين.
حزب الله يراقب عدم حسم الرؤية والقرار في اسرائيل، بين من يريد إبقاء الوضع على حاله، ومن يريد حرباً مشابهة للحرب على غزة. وهذا تؤكده مصادر أميركية مشيرة إلى الكثير من النقاش داخل إسرائيل حول من يريد حرباً كبرى، ومن يرفضها نظراً لخطورتها وتحاشياً لمبدأ وحدة الجبهات. وحسب المعلومات، فإن الأميركيين يعطون مهلة جديدة للإسرائيليين حتى شهر آذار المقبل لوقف الحرب في غزة.
هنا تتكون وجهتا نظر، الأولى تفيد أن الاستنزاف سيبقى مستمراً، بشكله الحالي. والثانية، تقول إن الإسرائيليين متجهون نحو تصعيد كبير قد يؤدي إلى حرب كبرى.
بالمقابل، يدرس حزب الله كيفية الردّ على هذه الضربات الإسرائيلية بضربات نوعية يستعيد بموجبها التوازن في المواجهة، من خلال استهداف مراكز وقواعد عسكرية أساسية واستراتيجية للإسرائيليين، من دون استهداف المدن الأساسية، كعكا أو حيفا أو مناطق سكنية ومدنية.
كما أن الحزب يتوقع المزيد من العمليات الإسرائيلية النوعية، مع اتخاذ الإجراءات اللازمة لعدم تكرار تجربة اغتيال صالح العاروري أو وسام الطويل.