Advertise here

"الإشتراكي" يبدّل أسلوب المواجهة: ما بعد 30 حزيران ليس كما قبله

10 تموز 2019 10:23:00 - آخر تحديث: 04 أيلول 2020 11:33:25

في وقت تتكثف فيه الإتصالات السياسية لتطويق تداعيات حادثة البساتين وعدم انسحابها على عمل الحكومة، يتابع "الحزب التقدمي الإشتراكي" مسار الأمور، ورغم ضبابية المشهد وحملة الحصار التي يرى أنّها تستهدفه، يبدو "الإشتراكي" مرتاحًا ومطمئنًّا، بحيث يقبض بيده على العديد من نقاط القوّة القادرة على تجيير "معركة إضعافه" لصالحه، كما ويملك جملة خيارات قد يستخدمها بناءً على المستجدات، وفي هذا السياق يمكن فهم تصريح الوزير وائل أبو فاعور من الصيفي بقوله "يتقدّمون خطوة نتقدّم خطوة، يتراجعون خطوة نتراجع خطوتين".

بحسب مصادر "الإشتراكي" فإن إحدى نقاط القوّة يوفّرها الفريق الآخر نفسه من حيث استباقه مجريات التحقيق وإطلاقه صفة "الكمين" على حادثة البساتين، بحيث يبني على نظرية "الكمين" مطلبه بإحالة القضية إلى المجلس العدلي. وهذه النظرية تنسف نفسها بنفسها بحسب مصادر الإشتراكي، فالكمين من الناحية العسكرية له مواصفاته، وهو عبارة عن مجموعة مسلّحة تتخفى وتراقب مجموعة أخرى ولدى مرور هذه الأخيرة تباغتها وتستهدفها بنيرانها، فالكمين لا يكون منتظرًا والمستهدف منه لا يملك الوقت لاستهداف مصدر النيران في حال وقع في المصيدة، هذا هو التوصيف العسكري المتعارف عليه للكمين، فكيف يمكن إطلاق صفة الكمين على حادثة قبرشمون؟

 قبل وقوع الحادثة شهدت البلدة حركة احتجاج علنية نقلتها وسائل الإعلام من قبل عدد من الأهالي تجمهروا مندّدين بالزيارة بشكل سلمي. وعندما وصل موكب الوزير صالح الغريب إلى حيث التجمّع عمد إلى فتح الطريق بقوّة السلاح، من خلال إطلاق النار على المحتجين بكلّ الإتجاهات، في حين أنّ أيًا من المحتجين لم يكن يملك سلاحًا، وكانت جميع الأسلحة تُطلق من موكب الغريب خلال مروره الأول. بعض مرافقي الغريب نزل إلى الأرض وأطلق الرصاص والبعض الآخر عمد إلى إطلاق الرصاص من خلال نوافذ سيارات الموكب، ما أسفر عن إصابة سامو غصن ابن الستة عشر ربيعًا في رأسه، وهو لا يزال يرقد في المستشفى بغيبوبة بين الحياة والموت، وهذه الرواية يشير الإشتراكي إلى أنّه يملك فيديوهات تثبت صحتها، وهي بعهدة القضاء.

أمّا الإحالة إلى المجلس العدلي فلها شروطها، وتوافر شروط الإحالة من عدمها تظهره نتائج التحقيقات الأوليّة بعد الإستماع إلى كلّ المطلوبين دون استثناء، بعد أن يتمّ تسليم مرافقي الغريب الذين بادروا إلى إطلاق النار إسوة بتسليم المطلوبين من قبل الإشتراكي. ونتائج التحقيقات تُثبت ما إذا كانت الحادثة مدبّرة أم بنت ساعتها، وهو الأمر الذي يؤيّده الرئيس نبيه بري ويطرحه بدوره إضافة إلى تيار المستقبل والقوات، وبناءً على التحقيقات الأولية يُرفع تقرير إلى مجلس الوزراء لينظر بالأمر ويقرر ما إذا كان الملف يستوجب الإحالة.

ذهاب الفريق الآخر إلى التمسّك بمطلب المجلس العدلي سيرتدّ على الحكومة بشكل كبير "فالتوافق على الإحالة غير متوفر وطرح الأمر على التصويت مستبعد، وبصرف النظر عن نتائجه التي لن تكون لصالح الفريق المطالب به، إلّا أنّ الإرتدادات ستكون كبيرة، من هنا يتمّ استبعاد فرضية التصويت".

وفضلًا عن الشروط التي يجب أن تتوفر في الحادثة لإحالتها إلى المجلس العدلي، يجب التنبّه إلى المادة 366 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، التي تنصّ على أنّ أحكام المجلس العدلي مبرمة ولا تقبل أيّ شكل من أشكال المراجعة حتّى ولو كانت خاطئة. وللتذكير تلفت مصادر الإشتراكي إلى أنّ أحكام هذا المجلس أدت إلى سجن الفلسطيني يوسف شعبان ظلمًا مدّة ستة عشر عامًا، وهو المحكوم بالمؤبد في قضية اغتيال الدبلوماسي الأردني نايب عمران عام 1994. وبعد أن ثبتت براءته بكشف الأردن للمجرم الحقيقي، بقي شعبان مسجونًا في لبنان لعدم إمكان المراجعة في الحكم كونه صادراً عن المجلس العدلي، ولم ينفع طلب العائلة من الرئيس أميل لحود أصدار عفو رئاسي، وحينها أبلغ رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي مطانيوس خوري عائلة شعبان بأنّ القضاء اللبناني يطبّق القانون، إلى أن صدر عفو رئاسي من قبل الرئيس ميشال سليمان، وكذلك الحال بالنسبة لقضية انطوانيت شاهين. 

ارسلان يبدو مصرًّا على المجلس العدلي وتغريدته الأخيرة صبّت في هذا الإتجاه "لن نقبل بأقل من ذلك"، وبدا لافتًا وفق قراءة الإشتراكي كيف خلى استعراض ارسلان للجرائم التي أحيلت إلى المجلس العدلي من جريمة شويفات التي استخدم منفّذها قذيفة صاروخية مضادة للدروع تسببت باستشهاد الشاب علاء أبو فرج، وإلى اليوم لم يتمّ تسليم المطلوبين، حتّى بعد أن بادر رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط مسقطًا حقّ الإدعاء الشخصي تجاوبًا مع مبادرة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تمهيدًا لتسليم القاتل، وفي حينه طلب جنبلاط " من الرفاق الإبتعاد عن التشنج فالخطوة التي قمت بها أتحمّل مسؤوليتها وليست المرة الأولى التي تُعتمد هذه الطريقة لأجل الصلح العام " وإلى اليوم لا زال المجرم حرّا طليقًا.

عن الإستقالة من الحكومة، توضح المصادر أنّ الخيارات كلّها مطروحة إضافة إلى خيارات أخرى ولكن أيّ قرار لم يتخذ بشأنها، والأمور مرهونة بخواتيمها، لاسيّما وأنّ هناك أكثر من مسار يجري العمل عليه في السياسية وفي القضاء، وهناك مساع ومبادرات من قبل العقلاء في هذا البلد.

في البيئة الداخلية للإشتراكي تبدو الصورة أكثر وضوحًا، لا سيّما وأنّ مناصري الإشتراكي لطالما اعتبروا أنّ ما يسمّونه نهج التنازلات لم يثمر مرة واحدة، "بدءًا من التنازل عن الحصة الوزارية وصولا إلى جريمة شويفات. لا بل على العكس من ذلك تعامل الفريق الآخر مع كلّ مرة يعض فيها جنبلاط على الجرح منعًا للفتنة ويذهب إلى تسوية لإنقاذ السلم الأهلي، على أنّها ضعف في حين يكمل هذا الفريق مساره الهجومي" .

اليوم المقاربة تغيرت لدى الإشتراكي والسكوت بنظرهم لم يعد جائزًا. حجم الإحتقان في نفوس القاعدة الشعبية المناصرة أصبح كبيرًا، ونهج رئيس التيار الوطني الحر وغيره بتكريس الإنقسام في البيئة الدرزية عبر تجميع القوى المناهضة لجنبلاط وعقد الصلح فيما بينهما برعاية هذا وذاك، ضاعف من مقدار الحنق حتى طفح الكيل في صفوف جمهور الإشتراكي. وهؤلاء يشعرون اليوم أنّهم مستهدفون، وأنّ الدفاع عن النفس أضحى بالنسبة لهم واجبًا مقدّسًا حيال هذا الكم من الخطابات والممارسات المسيئة التي تجازت أزمنة انتخابية وأضحت نهجًا ومسارًا. 

في أي حال صوت العقل كفيل وحده بإنقاذ لبنان من تداعيات تكريس الإنقسام عبر "زيارات التلاقي" وحروب الإلغاء التي تشنّ هنا وهناك من خلال ممارسات لا تبني وطنًا ولا تصنع مواطنًا، والخسارة لن تقع على فريق دون سواه بل ستمتد لتطال جغرافيا الوطن وديمغرافيته، و"العهد القوي" لن يكون خارج مشهدية الخسارة.