كانت التوترات والتخبطات داخل الحكومة الإسرائيلية، بعد الإعلان عن تشكيل فريق للتحقيق في هجوم حماس، مدخلاً لتفاقم التحديات التي تواجه المشهد السياسي والأمني الإسرائيلي. إذ أن الخلاف الحاد بين وزراء الحكومة وقادة الجيش يُظهر التعقيدات التي تواجههم في معالجة الأجندات المتنوعة، خاصةً في سياق الحرب والمعركة الدائرة ضد قطاع غزة. 

عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين فتحي كليب في حديث لجريدة "الأنباء" الإلكترونية قال أنه "في مقارنة بسيطة ما بين اليوم الأول للعدوان وبين اللحظة الراهنة واضح أن هناك تمايزا واختلافا سواء على مستوى التحالف الدولي الذي بدأ يتخلخل حتى في العلاقة الأميركية  - الإسرائيلية وطبيعة أهداف العدوان بدأت تتغيّر وهذا يبدو واضحا على مستوى الأوضاع الداخلية في إسرائيل ليس فقط بين الحكومة والمعارضة بل داخل الحكومة نفسها، وعلى مستوى حزب الليكود أي حزب رئيس وزراء العدو. وخلفية كل هذه الانقسامات مرجعها سبب واحد وهو عجز الإحتلال عن تحقيق الأهداف الكبيرة التي رفعها، سواء بما له علاقة بتدمير البنية التحتية للمقاومة أو ما له علاقة باليوم التالي للعدوان عندما تحدث الاحتلال عن أنظمة أمنية وعن حكومات انتقالية موالية للاحتلال، أو حتى عن تهجير قصري للسكان الفلسطينيين وبناء مناطق مستوطنات في شمال قطاع غزة. إلا أن هذا السقف العالي الذي بدأ الاحتلال باتباعه منذ بداية الحرب بات يرتد إلى الداخل الإسرائيلي ويبدو أن المجتمع الصهيوني لم يعد قادرا على تحمل التكلفة الباهظة للعدوان سواء في ما يتعلق باستمرار حالات النزوح من شمال فلسطين وجنوبها أو أيضا العجز عن تحرير الأسرى لدى المقاومة وشل الحياة داخل الكيان بسبب إطلاق الصواريخ سواء من لبنان أو من قطاع غزة".

كل هذه الأمور بدأت تؤثّر بشكلٍ كبير على الداخل الإسرائيلي ومن المتوقّع زيادة هذه الانقسامات خاصة بعد أن تحركت المسائل القانونية بإلغاء المحكمة العليا في إسرائيل، قرار الكنيست الذي له علاقة بالتعديلات القضائية، ما يضع نتنياهو أمام مواجهة لأكثر من عدو وهذا التخوف يصبح بأن يذهب نتنياهو بعيداً من أجل الحفاظ على مستقبله السياسي، وفي توريط الولايات المتحدة في حروب إقليمية قد لا تريدها الولايات المتحدة الآن ومن ضمنها لبنان وإيران. وهنا يشير كليب إلى أن "الأيام والأسابيع القادمة من المتوقع أن تكون ساخنة من قبل الإحتلال لأنه من الواضح أن الأمور  قد تعقدت أكثر بعد إغتيال القائد صالح العاروري والمفاوضات التي كانت تسير بنوع من السلاسة قبل عملية الإغتيال توقفت الآن والوفد الذي زار قطر والتقى بالمسؤولين القطريين وقد أبلغوا بشكل صريح بأنه بات هناك صعوبة الآن بما يتعلق بقضية الأسرى ما يعني أن الأمور تتعقد أكثر أمام الحكومة الإسرائيلية وأمام أركان جيشها وهذا سيجعل الاحتمال الوحيد إما إسقاط نتنياهو بشكل مباشر رغما عنه لذا من الممكن أن يفتعل أحداث معينة لتوريط الولايات المتحدة".

لكن على جبهة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة يبدو واضحاً أن المقاومة ما تزال صامدة وأن الخسائر الإسرائيلية ما زالت تتوالى فالإسرائيلي، كما كان في اليوم الأول، لم يعد في جعبته أي شيء إلا استهداف المدنيين وأيضا الانقسام بات واضحا ومرئيا ما بين الولايات المتحدة وإسرائيل، رغم أن الولايات المتحدة لا تزال شريكا كاملا في العدوان لكن بكل تأكيد صمود المقاومة وعدم تمكن الاحتلال من تحقيق الأهداف التي رفعها يحرج الولايات المتحدة الأميركية ويجعلها أمام الخيارات أحلاها مرّ.

أما عن الوضع في شمال فلسطين أو الجنوب اللبناني، فيقول كليب أن "المقاومة الإسلامية في لبنان اعتبرت نفسها منذ اليوم الأول، وهو كذلك، شريكاً في الدفاع عن قطاع غزة والدخول في هذه المعركة. لذلك تم فتح جبهة الجنوب من أجل محاولة التخفيف عن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، والواضح أن المقاومة لن تتراجع عن هذا الخيار وهذا الأمر لا يروق لسلطة الاحتلال التي بدأت تتوعّد لحزب الله وباتوا يرفعون شعارات كبيرة كتلك التي تتبعها في قطاع غزة والعدو يحاول تحقيق هدف إبعاد حزب الله إلى ما بعد الإيطالي أو حتى عشرة كيلو متر عن الحدود. إلا أن حزب الله يعتبر نفسه أنه أصبح جزءًا من المعركة طالما العدوان على قطاع غزة متواصل من قبل الاحتلال، وهذا قرار صريح ومباشر وواضح، وحتى هذه اللحظة لا مؤشرات بأن العدوان على قطاع غزة ذاهب إلى التخفيف أو إلى وقف إطلاق النار ربطا بما يجري على جبهة المفاوضات التي توقفت. هذا يعني أن جبهة جنوب لبنان يفترض أن تكون ساخنة خلال الفترة القادمة لأنه أمر يضغط على كيان العدو، واسرائيل قد تمادت بما يتعلق بتجاوز قواعد فك الاشتباك وهذا شهدناه عبر المناطق التي تم قصفها في الأسابيع الأخيرة، وهذا يجعل المقاومة الإسلامية في لبنان معنية مباشرة إكثر بتحقيق الأهداف والوعود التي رفعتها".

وفي قراءة لخطاب أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله الأخير، يعتبر كليب أن ما قاله بشأن الرد الأولي يعني أن هناك ردود متتالية وإضافية سيقوم بها الحزب ما يجعل من الجنوب جبهة مفتوحة فالعدوان الإسرائيلي على لبنان يتخطى الصيغة التي كانت معتمدة في السابق. ويشير إلى أن "الكثير من كلام الدبلوماسيين الغربيين في تقاريرهم إلى دولهم يرشحون إحتمالية التصعيد في الأوضاع خلال الفترة القادمة". وفي كل الأحوال "الكرة الآن في الملعب الأميركي الإسرائيلي يعني إذا ما أراد الإسرائيلي والأميركي أن تتوقف المقاومة أو يتوقف اليمنيون أو العراقيون عن الرد فالعنوان واضح ومباشر وهو قطاع غزة. فلا يمكن أن نتوقع توقف أي مقاومة عن عملياتها في ظل استمرار العدوان وفي ظل استمرار عمليات القتل في قطاع غزة، إذ أن عنوان الجنوب اللبناني الآن بات مرتبطا ارتباطا مباشرا بقطاع غزة كما هو الأمر بالنسبة لليمن طالما أن غرفة العمليات موجودة بواشنطن إذا فعلى الولايات المتحدة أن تلعب دورا إيجابيا وتضغط على الإحتلال من أجل وقف عدوانه على قطاع غزة وهذه من أسهل الأمور لوقف كل ما يحصل في المنطقة سواء في لبنان أو سوريا أو العراق أو اليمن أو في قطاع غزة".

في الختام، من الواضح أن التوترات داخل إسرائيل والتحولات في السياق الإقليمي تشكل تحديات جسيمة، فهل في هذا العالم مَن سيردع التفاقم الخطر للأحداث أم أننا سنشهد على انفجار اقليمي لن يُحمد عقباه؟!