Advertise here

مصير "العهد" سيقرره جنبلاط قريباً

09 تموز 2019 10:22:05

ماذا سيفعل وليد جنبلاط؟ هو يعلم أن "رأسه" الأول على قائمة المطلوبين. لذا، ليس بإمكانه أن يتراجع أو يستسلم. تبدأ الحرب عليه من آل فتوش في عين دارة، إلى داخل قصر بعبدا، تحت سقف حزب الله. وربما كما جاءت صدمة الجبل، ستكون هناك صدمات سياسية أخرى، مشبّعة بنهكات إقليمية ودولية. ولا بد من التسليم بثابتة أساسية، أن جنبلاط صاحب جعبة لا تنضب من المفاجآت.

من التسوية إلى الانتفاضة
إنها الحركة السياسية الأولى التي يقوم بها جنبلاط بهذه "النوعية"، قد تشكل تحولاً ملحوظاً في المسار اللبناني. فمنذ 7 أيار 2008، لم يلجأ وليد جنبلاط إلى نقلة سياسية كالتي بدأت تباشيرها تظهر من خلال بعض المواقف والتغريدات. وبالعودة في قراءة تاريخية إلى علاقة آل جنبلاط مع العهود ورؤساء الجمهورية، يمكن استشراف ثابتة أساسية أخرى، هي أن كل العهود كانت تبدأ بتسويات معهم، أو أن المختارة كانت شريكة أساسية في انتخاب رؤساء الجمهورية المتعاقبين. لكن، فيما بعد كانت تنقلب التحالفات، فتنتفض المختارة على الرؤساء، باستثناء ولاية واحدة، هي ولاية الرئيس ميشال سليمان، التي بقيت العلاقة فيها أساسية وتحالفية إلى ما بعد اليوم الأخير منها.

في حقبة الاستقلال، كان الرئيس بشارة الخوري متحالفاً مع آل جنبلاط. لكن ما لبث كمال جنبلاط أن عمل على إطلاق حركة سياسية واسعة ضد العهد، وصولاً إلى الثورة البيضاء في العام 1952. حينها كان كميل شمعون مرشح الجبهة الاشتراكية (برئاسة كمال جنبلاط) لرئاسة الجمهورية. انتُخب شمعون، ولم تمضِ أشهر على عهده حتى وقع الخلاف الاستراتيجي الكبير، فقاد كمال جنبلاط ثورة العام 1958، ليصل الجنرال فؤاد شهاب، المدعوم أيضاً من جنبلاط إلى الرئاسة. وبقيت العلاقة جيدة فيما وقعت بعض الخلافات والتباينات خلالها. وبعدها تكرر الأمر مع الرئيسين شارل حلو وسليمان فرنجية، الذي دعمه جنبلاط، وعاد واختلف معه إلى أقصى حدود الاختلاف. فتزامن ذلك مع اندلاع الحرب الأهلية. وحتى في حقبة ما بعد الحرب، وتحديداً مع الرئيس إميل لحود، بقي وليد جنبلاط على خلاف معه طيلة عهده وفترة التمديد، وكان من المطالبين بالذهاب اعتصاماً إلى قصر بعبدا لإسقاطه.

انتُخب الرئيس ميشال عون على الضد من ميول جنبلاط. وكانت موازين القوى قد تغيّرت. لذا، سار جنبلاط بالتسوية. لم يطل الوقت حتى بدأ الرجل يستشعر الخطر وما يحضّر له، ما دفعه حالياً إلى إعادة البحث عن خيارات جديدة. تلك الخيارات ستكون قابلة لتكرار التجارب السابقة. الظروف هي التي دفعت بجنبلاط إلى إعادة رفع الصوت حالياً. وهو سابقاً أيضاً احتكم إلى الظروف المحلية والإقليمية في انعطافته الشهيرة وخروجه من 14 آذار. لكنه لم يجد نفسه في المعادلة الداخلية تماماً. صحيح أنه كان في مرحلة معينة "بيضة القبان"، إلا أنه ظل خاضعاً لموازين محلية معروفة وستاتيكو ثابت. اليوم هذا الستاتيكو بدأ بالانتهاء منذ سريان التسوية الرئاسية. وهو قدّم الكثير من التنازلات لكل من رئيس الجمهوية وحزب الله، وابتعد عن قوى 14 آذار في فترة سابقة، لكنه وصل حالياً إلى قناعة أن هذا المسار لم يؤمن له الحد الأدنى من الأمان السياسي، ولم يوفر له الحماية حتّى. لذلك هو يبحث عن خيارات جديدة، بانتظار أن يتضح أفقها.

مظلة الحماية وضمان الوراثة
في هذا السياق تأتي لقاءاته مع بعض الديبلوماسيين والسفراء. فهو التقى قبل أيام السفيرة الأميركية في بيروت، والسفير الفرنسي. هذه اللقاءات تمت بعد أحداث الجبل. ما يعني أنه يريد إبلاغ الجميع بفتح أبواب خياراته الخارجية، وأنه لم يفقد هذه الخيارات على الرغم من الانكفاء إلى الواقع الداخلي طوال الفترة السابقة. ويتوسل من هذا الخروج استشرافاً لما يمكن فعله في المرحلة اللاحقة، كي يعرف الجميع أنه ليس لقمة سائغة.

مع ذلك، لا يمكن حتى الآن التنبؤ بما سيفعله الرجل، ولا حتى إذا ما كانت خطوته ستنجح. لكن بالتأكيد، سيحاول توفير مظلة حماية له. وبما أن هذه المظلة لم تتأمن بعد كل ما قدمه من تنازلات وتسويات، فلا بأس بعودة جنبلاط إلى "أصله وفصله"، أي خوض المعارك المباغتة على أكثر من جبهة.

لقد كانت كل تلك التنازلات السابقة، بوجه من وجوهها، في سبيل تأمين الانتقال السياسي السلس والسهل لتيمور جنبلاط. وبما أن هذه السياسة دفعت بالكثيرين إلى التسلق نحو نفوذه وموقعه، فهو بلا شك سيغيّر قواعد اللعبة. لأن استمرار التنازل لن يطاله وحده، بل سيطال مستقبل تيمور.

بانتظار الشرارة
في الوقت الذي كان فيه وزير الخارجية، جبران باسيل، يزور مدينة طرابلس، كانت فعاليات طرابلسية ومجموعات شبابية تعقد العزم على ترتيب زيارة لوفود طرابلسية وشمالية إلى المختارة للقاء جنبلاط. ولهذه الخطوة وقعها الخاص. ففي البيئة السنية، هناك تعاطف كبير مع الرجل، وهم يعتبرونه مرتكز أي تحول سياسي في البلد. ليس في ذاكرتهم ما هو مؤثر قدر لحظة إعلانه انتفاضة الاستقلال من بيت الرئيس رفيق الحريري في العام 2005، يوم اغتياله. هذا ما وطد لدى الطائفة السنية ارتباطاً وجدانياً عميقاً بجنبلاط. وربما في الآتي من الأيام، سيكون الارتباط أشدّ وأوثق، طالما أن الرجل يتعرّض لكل هذا الكم من الضغوط.

لا شك أن جنبلاط يفكرّ بتحرك ما. اتساع هذا التحرك ومداه وحجمه وتأثيره، سيكون مرتبطاً بتطورات سياسية محلية وإقليمية. والأكيد أن الرجل أصبح جاهزاً لإطلاق الشرارة. وستبدأ من اعتبار أساسي، هو أن الرجل لا يفكر نفسه زعيماً درزياً يتقاتل مع دروز آخرين يطمحون لمقاسمته الزعامة على طائفة. وليد جنبلاط لا يجد نفسه إلا في مواجهات أكبر وأكثر سعة وطنية مما هي مذهبية ضيقة. وبهذا المعنى يمكننا تخمين ما يحّضر له. خصوصاً، أنه يعلم مدى جاذبية خطابه المعارض للعهد والتسوية لدى جمهور يتسع يوماً بعد يوم.