توقع البنك الدولي في تقريره الأخير عن لبنان أن يتسارع معدل التضخم في البلاد والذي فاق نسبة 100% منذ العام 2021 إلى 231.3% في العام 2023، مدفوعاً بانخفاض سعر صرف الدولار (خلال النصف الأول من العام 2023) والدولرة السريعة للمعاملات الاقتصادية.
على صعيد المواد الغذائية، تصدّر لبنان وفق التقرير قائمة الدول الأكثر تأثراً بالتضخم الاسمي لأسعار المواد الغذائية في الربع الأول من العام 2023 (بنسبة 350% على أساس سنوي في نيسان 2023)، مما أدى إلى تفاقم هشاشة الظروف المعيشية للفئات الأشد فقراً والأكثر احتياجاً من السكان.
واذا أردنا التوقّف على الأسباب التي ساهمت في تفاقم التضخّم الى هذا الحدّ رغم دولرة الأسعار، يتبيّن أنها عدة. في هذا المجال، عرض الخبير المالي والإقتصادي د. أنيس بو دياب خلال حديثه الى «نداء الوطن» لمجريات الأمور خلال العام 2023. بداية ناقض فكرة أن تراجع سعر صرف الدولار إزاء الليرة اللبنانية من 42 ألف ليرة الى 90 ألف ليرة أي بنسبة 108% أدى الى تفاقم التضخّم، وقال إن سبب تفاقم التضخم يعود في مكان ما الى ارتفاع في الأسعار على الصعيد العالمي، ناتج عن بداية حرب أوكرانيا، وعن التضخم الخارجي، في الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية.
أما الصين فقد شهدت مرحلة تضخم كبيرة منذ العام 2022 ناتجة عن جائحة كورونا ما انعكس علينا، ولكن تلك الأسباب لا تكفي لوحدها بتسجيل التضخم في لبنان نسبة 231%.
من هنا اعتبر بو دياب أن «تضخّم الأسعار ناتج أكثر عن جشع التجار من جهة وعدم فعالية مؤسسات الدولة في أداء عملها».
وعدّد بو دياب الأحداث التي أدّت الى تفاقم التضخّم في لبنان على مرّ السنوات الماضية، فقال: «في نهاية العام 2019 اندلعت الأزمة المالية والإقتصادية في البلاد، ثم تلتها أزمة تفشي وباء كورونا، ثم وقع انفجار مرفأ بيروع، وشلّ العمل في القطاع العام الذي شهد إضراب الموظفين، لا سيما في وزارة الإقتصاد، ومصلحة حماية المستهلك.
كل ذلك يأتي في ظلّ انعدام المنافسة في السوق، استناداً الى القاعدة الإقتصادية. فالإحتكار يؤدي عادة الى ارتفاع في أسعار السلع ويتسبب في فوضى في التسعير وغياب للرقابة، فيعمل التجّار على هواهم من دون حسيب أو رقيب».
من يترتّب عليه لجم التضخم؟
هناك آليات تتسبب في لجم التضخم، يوضح بو دياب، «من خلال السياسة النقدية المعتمدة في البلاد وكذلك السياسة المالية، وهي الضرائب من جهة أو إعفاءات ضرائبية أو فرض ضرائب والفوائد من جهة أخرى تساهم في لجم التضخّم».
الى ذلك ذكر أن «السياسة المالية مفقودة بسبب غياب الدور الذي يجب أن تلعبه وزارتا المال والإقتصاد وتحديداً مصلحة حماية المستهلك التي ليس لديها العديد الكافي من الموظفين لأداء دورها الفعّال، وغياب القطاع المصرفي، الذي ينحصر عمله حالياً في ضبط الحسابات وتوطينها. ولجم التضخم إستناداً الى بو دياب يتمّ «من خلال وضع المراسيم التطبيقية لقانون منع الإحتكار وحماية المنافسة، كما يجب تشكيل اللجنة المناط فيها العمل على تحسين آليات السوق وحمايتها من خلال المنافسة ومنع الإحتكار.
كما يترتّب على المستهلك في ظلّ غياب الأطر اللاجمة لتفاقم التضخم، أن يلعب دوره الرقابي من ناحية التشهير. فغياب الشفافية أمر أساسي لأنه عندما تسود الشفافية في السوق، تتمّ «رغلجت» الأسعار بشكل طبيعي، لأن العرض والطلب يعملان بآلية سليمة. كما تلعب وسائل الإعلام دوراً في التشهير بمؤسسات ترفع أسعارها بشكل كبير على بعض السلع رغم عدم ترتّب رسم جمركي عليها».
ويرى بو دياب أن «العام 2024 لن يكون أفضل من سابقه، خصوصاً أننا نشهد في بداية السنة إرتفاعات جديد بأسعار النفط العالمي ما يشير الى أن التوقعات بأن يصل الى 100 دولار قد تصحّ، عندها ندخل في موجة جديدة من ارتفاع اسعار السلع في لبنان خصوصاً في ظلّ عدم عبور سفن النقل لباب المندب». لافتاً الى أنه «في ظلّ هذا الواقع إذا لم تنتظم مؤسساتنا، فإن الفوضى ستكون أكبر!».
إرتفاع أكلاف الشحن
وحول الآثار التي يتركها وقف شركات الشحن العالمية ما عدا CMA CGM عبور حاويات الشحن البحري لباب المندب قال رئيس جمعية الصناعيين سليم زعنّي لـ»نداء الوطن» أن هذا الأمر سيساهم في زيادة التضخم ولو بنسبة ضئيلة، للسلع المستوردة من منطقة الشرق الأقصى وليس من الدول الأوروبية، وذلك بسبب ارتفاع أكلاف الشحن والأقساط التأمينية. أما نسبة الزيادة فستكون ضئيلة ولكن ستساهم في رفع التضخم».
وجهة نظر التجار
من جهته أكّد نائب رئيس غرفة بيروت وجبل لبنان ورئيس نقابة اصحاب السوبرماركات في لبنان نبيل فهد لـ»نداء الوطن» أن نسبة التضخم المذكورة في تقرير البنك الدولي تقوم على تضخم الأسعار بالليرة اللبنانية، وفي ظل عدم الإستقرار في سعر صرف العملة الوطنية خلال العام 2023، فإن نسب التضخم المتوقّعة ستكون مرتفعة، إذ إن سعر الدولار بنهاية العام 2022 تراوح بين 38 و 40 ألف ليرة في بداية 2023، وارتفع في آذار لغاية 140,000 ليرة قبل أن يعاود انخفاضه ويستقر على 89,500 في بداية الصيف».
معتبراً أن التضخم يعكس انهيار الليرة اللبنانية في الأشهر الستة الأولى من سنة 2023، متوقّعاً أن نشهد في 2024 إستقراراً في نسب التضخم إذا ما ساد الاستقرار في سعر صرف الدولار إزاء الليرة على 89500 ليرة». ولكن لا يجب أن ننسى إستناداً الى فهد أن «هناك عوامل أخرى تؤثر على ارتفاع نسبة التضخم ومن أهمها الضرائب المباشرة التي تفرضها الدولة على السلع والضرائب غير مباشرة التي تزيد من كلفة الأعمال مما يضطر المؤسسات العاملة في لبنان لتغطية هذه الأكلاف كما هناك كلفة الكهرباء المرتفعة جداً إذ أصبحت تشكل نسبة كبيرة من كلفة التشغيل».
وبالنسبة الى الدور الذي يمكن أن تلعبه وزارة الإقتصاد، اعتبر أنه «يترتّب عليها التأكد من أن المنافسة في الأسواق تبقى العامل الأهم في تخفيض الأسعار، فضلاً عن العمل لصالح المستهلك». معتبراً أن «الدور الرقابي لوزارة الإقتصاد يتمحور حول جودة الاصناف المباعة ومكافحة التزوير والتلاعب في الأوزان، لأنه في كل بلدان العالم يتم الاعتماد على المنافسة لتخفيض الأسعار وفي ظل قانون المنافسة الجديد أصبح هذا الأمر متاحاً في لبنان».