رأيان اسرائيليان يتعارضان حول كيفية التعاطي مع التطورات في جنوب لبنان وحزب الله. الرأي الأول يشير إلى ضرورة اعتماد سياسة القوة وشنّ عملية عسكرية، ولو اقتضت محاولة دخولٍ بريٍ لتحقيق الإستقرار الذي يسمح لسكان المستوطنات الشمالية بالعودة إلى منازلهم. أما الرأي الثاني فيفضل التركيز على المفاوضات السياسية والديبلوماسية والتي يمكنها تحقيق ذلك. ما يمكن قوله حتى الآن هو أن اسرائيل لا تمتلك أي تصور واضح وجدي حول كيفية معالجة الوضع على الجبهة مع لبنان، حتى لو نجحت المفاوضات السياسية والديبلوماسية فلا رؤية في تل أبيب حول كيف سيكون ذلك، لأن هناك آراء جدية باستحالة انسحاب حزب الله من المناطق المتقدمة. أما العودة إلى ما كان عليه الوضع قبل 7 تشرين الأول 2023 فهو ما يريده الحزب بعد وقف اطلاق النار في غزة وهو ما لا تريده اسرائيل.
تهديد لبنان يتواصل
على وقع هذه السجالات الإسرائيلية والدولية تتواصل التهديدات التي توجه إلى لبنان، وقد ارتفع منسوبها مؤخراً من خلال القول إن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على لجم اسرائيل من شن عمليات واسعة ضد الحزب وعلى مناطق مختلفة من الساحة اللبنانية. هذه التهديدات يضعها البعض في خانة التهويل للوصول إلى اتفاق سياسي، بينما يشير بعضهم الآخر إلى إمكانية تمهيدها الأجواء للحرب.
الإرتباط بين مسار الجبهة في غزة، ولبنان معاً، يدفع بالولايات المتحدة الأميركية إلى تكثيف جولاتها في المنطقة، من بينها زيارة وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، والتي تتزامن مع زيارة سيجريها المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي آموس هوكشتاين إلى بيروت.
وبحسب المعلومات تتركز الزيارة على ثلاثة عناوين. العنوان الأول: ضرورة منع حصول أي تصعيد في جنوب لبنان وضبط الأوضاع العسكرية ضمن نطاقها القائم لا أكثر، مع التشديد على ضرورة وقف النار ووقف العمليات العسكرية والمواجهات كي لا تتدرحج التطورات إلى ما هو أسوأ.
العنوان الثاني هو استكمال البحث في مسار ترسيم الحدود البحرية وانسحاب اسرائيل من النقاط الـ 13 ضمنهم نقطة b1 مع السعي لوضع تصور حول مسألة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. يفترض بهوكشتاين أن يحمل بعض التصورات والردود والإقتراحات الإسرائيلية.
أما العنوان الثالث، فهو التركيز على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية وإعادة تكوين السلطة، فلمواكبة كل هذه التطورات والمفاوضات لا بد من أن يكون في لبنان رئيس للجمهورية وحكومة قادرين على التفاوض وإبرام الإتفاقات.
الرسالة الأخيرة
يذهب البعض إلى اعتبار أن هوكشتاين يحمل إلى اللبنانيين الرسالة الأخيرة ما قبل حصول تصعيد، وهم يربطون هذه الرسالة بغيرها من الرسائل التي أوصلها الأميركيون والفرنسيون والبريطانيون. أما في المقابل هناك من يؤكد أنه طالما المساعي الأميركية مستمرة فهي تهدف إلى تجنّب التصعيد والتركيز على الحل الديبلوماسي ما يسقط نظرية "الرسالة الأخيرة".
لن تكون زيارة هوكشتاين منفصلة عن تحرك الدول الخمس المعنية بالملف اللبناني، وسط معلومات تشير إلى عقد اجتماع للجنة الخماسية التي تواكب الإستحقاقات اللبنانية خلال فترة عشرة أيام، وبحسب المعلومات يمكن لهذا الإجتماع أن يعقد في المملكة العربية السعودية أو في باريس، لوضع تصور محدث حول كل التطورات المتصلة بالملف الرئاسي وبعد جولات المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان وتشديده على ضرورة الإنتقال إلى المرشح الثالث.
في الإجتماع يفترض ان يتم الإتفاق على مواصفات تتناغم مع فكرة المرشح الثالث، وتقديمها للبنانيين من خلال زيارة سيجريها لودريان الى بيروت بعد الإجتماع، وهو ما سيكون متماهياً مع الإقتراحات حول تكريس الإستقرار في الجنوب ما يعني الحاجة اللبنانية إلى العودة نحو نظرية "السلّة الكاملة".