آخر ما كان يتوقّعه أصحاب المؤسسات السياحية، مع استمرار العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان، أن تتخطى أعداد الوافدين إلى لبنان في مدة الأعياد الـ 150 ألفاً، وأن «تفوّل» المطاعم، وأن تنفد تذاكر حفلات سهرات رأس السنة. قبل شهرين، نعى رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري طوني الرامي، في حديث مع «الأخبار»، «موسم الأعياد بسبب الشلل الذي أصاب بين 80% و90% من القطاع على خلفية أحداث 7 تشرين الأول». لكن، «فوجئنا أخيراً بالأعداد الكبيرة للوافدين والحركة السياحية التي نتجت من ذلك»، وفقاً للأمين العام لاتحاد النقابات السياحية جان بيروتي.
بعيداً من القرى المتاخمة للحدود مع فلسطين المحتلة التي تشهد اعتداءات يومية، ومن المناطق الجبلية التي لم تجذب السيّاح بسبب تأخر موسم الثلوج، «تشير الخريطة السياحية إلى حركة نشطة في مختلف المناطق، في بيروت وضواحيها والشمال والبقاع، وحتى في مدن الجنوب البعيدة عن منطقة النزاع مثل صور وصيدا»، وفقاً لبيروتي. لكن هذا «الانتعاش» لا يشمل كل مفاصل النشاط السياحي، لأنّ الوافدين، بشكل أساسي، لبنانيون مغتربون في دول عربية وأفريقية قرروا قضاء العطلة مع أهلهم، فيما يغيب السيّاح الأوروبيون والمصريون والأردنيون، ويحضر العراقيون بأعداد قليلة. لذلك، لم ينسحب «الانتعاش» على قطاع الفنادق و«لم تتعدّ نسبة الإشغال 20%، وكذلك الأمر بالنسبة إلى قطاع تأجير السيارات، فيما تكاد تكون حركة مكاتب تأمين الشقق المفروشة وتنظيم الرحلات الداخلية والخارجية معدومة».
وحده قطاع المطاعم والسهر نال حصة الأسد بنسبة إشغال «فاقت 80%، وتصل في مدة الأعياد الممتدة على مدار 10 أيام إلى 100%». نائب رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري خالد نزها يصف موسم الأعياد بالـ «ممتاز، فالمطاعم والملاهي ممتلئة، وحضور الحفلات الغنائية لكبار الفنانين منذ 16 كانون الأول حتى مطلع العام المقبل قوي جداً، كما تظهر الحجوزات».
رغم ذلك، تراجع القطاع السياحي هذا العام مقارنة بما كان عليه في المدة نفسها من العام الماضي عندما «زار لبنان 350 ألف سائح فيما لا يصل عددهم اليوم إلى 250 ألفاً»، وفقاً لتقديرات بيروتي. وهو تراجع يأتي بعد صيف واعد سياحياً، وتسجيل تحسّن في القطاع السياحي مطلع العام للمرة الأولى منذ بدء الأزمة الاقتصادية، كما يُفيد تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حول أثر الحرب في لبنان، مشيراً إلى أنّ عدد الوافدين (غير اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين) بلغ بين كانون الثاني وأيلول الماضيين 1.3 مليون، أي بزيادة 10% عن المدة نفسها من العام السابق.
ويفنّد نزها ملامح «النهوض» السياحي الصيف الماضي مع جذب أعداد كبيرة من السياح بعد التشبيك مع وزارة السياحة ووسائل الإعلام والسفارات الأجنبية، مشيراً إلى افتتاح ما بين 250 و300 مطعم جديد، إضافة إلى 30 مطعماً آخر، كانت في صدد الافتتاح في وسط بيروت، وإلى استعادة 10 آلاف لبناني مهني متخصص في قطاع السياحة كانوا قد غادروا إلى العمل في الخارج. وأشار إلى أنه بعد 7 تشرين الأول الماضي، «خسرنا السياح الأوروبيين لأكثر من سنة. فحتى بعد وقف إطلاق النار لن تنفق شركات تنظيم الرحلات أموالاً للتسويق للسياحة داخل لبنان قبل التوصل إلى استقرار أمني مستدام، خلافاً للسياح العرب، العراقيين والأردنيين خصوصاً، ممّن يعودون فور التوصل وقف الأعمال العسكرية». لذلك، رغم الإيجابية الناجمة عن عودة المغتربين، وهي عودة لم تكن متوقعة بهذا الحجم وفي هذه الظروف، إلا أنها «لن تعوّض خسائر ثلاثة أشهر من الركود»، ناهيك عمّا سيكون عليه وضع المنشآت السياحية بعد انقضاء مدة الأعياد ومغادرة الوافدين ونفاد مفعول «حقنة المورفين».