سنوات لبنان الأخيرة لم تكن سهلة. المصائب تتتالى وخصوصاً على الصعيد الاقتصادي والمالي والنقدي. تعثّرنا فانهرنا وتأقلمنا، ماذا بعد؟ وماذا قد تُخبئ الـ2024؟
يقسّم الخبير الاقتصادي والمالي محمود جباعي التوقّعات للسنة المقبلة على ثلاثة ملفّات أساسيّة. على الصعيد النقدي، يقول جباعي، في حديثٍ لـ"الأنباء" الإلكترونيّة، من المتوقّع أن يستمرّ الاستقرار في سعر الصرف لأن المصرف المركزي لا يزال يعمل بالأسلوب ذاته وهو منْع ضخّ الليرة في السوق والحفاظ على الكتلة النقديّة بحدود الـ55 مليار ليرة تقريباً، كما أنّه يقوم بتحويل رواتب موظفي القطاع العام بالدولار وهذا أمر أساسي لأنّه يمنع تضخّم الكتلة النقديّة وارتفاعها شهريًّا ما بين 16 و17 في المئة ما يخلق نوعاً من الاستقرار النقدي في البلد.
ويُتابع جباعي: "أعتقد أنّ هذا الاستقرار النقدي سيستمرّ في الفترة المقبلة، فالدولة قادرة على تحصيل الليرات المطلوبة، كما أنّ مصرف لبنان يلعب دوره بضخّها في السوق بشكل منتظم ويقوم بضبط الأمور. ولذلك يمكن القول إنّنا سنشهد استقراراً نقديًّا العام المقبل أيضاً بالمبدأ، إلا إذا حصل أي أمر خارج عن إرادة اللبنانيين مثل توسّع الحرب أو أمور سياسية تُعقد الوضع".
على الصعيد الاقتصادي، يتوقّع الأخير أنّه في حال شهدنا استقراراً عامًّا في البلد واستقراراً أمنيًّا وسياسيًّا أن نشهد مزيداً من التحسّن بالناتج المحلي ومزيداً من التحسّن في الاقتصاد الذي بدأ يتعافى في الشقّ المتعلّق بالقطاع الخاص والذي يُشكّل 80 في المئة من الناتج المحلّي. إلى جانب ذلك، هناك محاولة إعادة النشاط الاقتصادي بعد تأقلم المؤسسات والشركات في عملها. وهذا يُظهر أن الاقتصاد عاد إلى التعافي وهذا يؤكّد أنّه عندما تبدأ الحلول في السياسة يمكن الخروج بسرعة من الأزمة وفي أقرب فرصة".
أمّا من الناحية الماليّة، فيؤكّد جباعي أنّ الكرة في ملعب الحكومة بانتظار أن نرى مدى قدرتها على التعديل على الموازنة لتكون موازنة صائبة تذهب إلى أماكن الهدر كالتهرّب الضريبي والتهرّب من دفع الـtva والتهرّب الجمركي والتهريب على الحدود وموضوع الأملاك البحريّة، قائلاً: "إذا تمّ ضبط هذه الأمور الثالثة يمكن أن تتحسّن الموازنة بحوالى 3 إلى 4 مليار دولار سنويًّا. وهذا يمنح الدولة القدرة على تحسين رواتب الموظفين بالإضافة إلى تحسين إراداتها. كما أنّ حضور الموظفين إلى أعمالهم وعدم الإقفال القسري في مؤسسات الدولة ودوائرها يُساهم في تحسين الإنتاجيّة وفي زيادة إرادات الدولة ما ينعكس إيجاباً على الوضع المالي".
إذاً يمكن القول إنّه على الصعيد الاقتصادي والمالي والنقدي الأمور قيد التحسّن إلا أنّها بحاجة إلى المزيد من الخطوات لتثبيت هذا التحسّن. هنا يُشير جباعي إلى أنّ موضوع المودعين يبقى عالقاً إذ حتى الآن لم يحصل أي حلّ جذري لهذا الأمر، رغم الحلول الجزئيّة التي اتخذت. فالحلّ الاستراتيجي، برأي الأخير، يتمثّل بتقديم الدولة قانون انتظام مالي للحكومة يُحدّد المسؤوليات وترتيب الديون والخسائر كي ننطلق منها نحو إعادة هيكلة القطاع المصرفي مع تنظيم إجراءات قانون الكابيتال كونترول وتنظيم العلاقة بين المصارف والمودعين والمصارف ومصرف لبنان والمصارف والدولة. وهذا أمر أساسي في المرحلة المقبلة لأنّه يعطي انطباعاً جديًّا لحلّ مشكلة المودعين، وفق الأخير. "فمن دون حلّ قضيّة المودعين لن تعود الثقة بالقطاع المصرفي وبالتالي جزء كبير من الاقتصاد اللبناني سيبقى فاقداً لأهميّته" يختم جباعي.
يبدو أنّ الأمور تتّجه نحو التحسّن، فهل سيكون وجه الـ2024 خيراً على لبنان واللبنانيين؟