اللّغة العربيّة سيّدة اللّغات
18 ديسمبر 2023
19:45
Article Content
في الثامن عشر من كانون الأوّل من كلّ عام ، يحتفل العالم باليوم العالميّ للّغة العربيّة. والعجب من أبنائها الّذين لا يحسنون لغتهم، فهم قد استغنوا عنها ، وكان بإمكانها أن تكون رائدة في مجتمعنا. لنا لغةٌ في الكون ليس أجمل منها، ويخطئ من يحسب أنّها متخلّفة حضاريّا، وقد وصلت إلى درجة عالية من العلميّة، وأخذت مداها الأرقى على امتداد عصور، حيث فرضت حضورها في الحياة الفكريّة والأدبيّة والعلميّة العربيّة والعالميّة، "فالفكر الإنسانيّ كُتِب بالعربيّة ، ولولا الحضارة العربيّة لتأخّر عصر النهضة"، كما يقول المفكّر الفرنسيّ جون باتيست برونيه.
يقول الأديب الأميركيّ فان ديك:" إنّ اللّغة العربيّة الفصحى هي أكثر لغات الأرض امتيازًا"، ويضيف المستشرق الألمانيّ بروكلمان أنّ" معجمها اللّغويّ لا يجاريه أحدٌ في ثرائه"، حيث فاقت اللّغات بكثرة مفرداتها واشتقاقاتها، وحوت المعارف والعلوم على أنواعها "، بحسب المستشرق الفرنسيّ رينان. ونفاجأ بعد كلّ هذا بالموقف الفكريّ السائد في الحياة الثقافيّة في العالم العربيّ، القائل بعدم تماشي اللّغة العربيّة الفصحى مع الحضارة الحديثة، والحديث عن تقصيرها في التعبير عن المعنى، فلم يلقوا بالاً لها، وتطلّعوا إلى العامّيّة واللّغات الأجنبيّة بدلًا منها. وهذه الثنائيّة بين العربيّة الفصحى والعامّيّة واللّغات الأجنبيّة هي ثنائيّة غير متكافئة تبتلع الساحة الثقافيّة العربيّة، وتعبّر عن أقسى ما وصلت إليه اللّغة العربيّة الفصحى من تهميش على أيدي أبنائها، في زماننا هذا.
وذلك إن دلّ على شيء، إنّما يدلّ على مفاضلة غير مسوّغة قياسًا على قدرة العربيّة وتفوّقها. وهذه قضيّة مهمّة تدعونا إلى تصحيح التعامل مع اللّغة العربيّة، وتستدعي منّا التفكير بضرورة إعادتها إلى موقعها الحضاريّ المحوريّ في مواجهة التحدّيات الّتي تنافسها على الساحة العلميّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والإعلاميّة، وتوظيفها في حياتنا كإحدى "مقوّمات الوطن والوطنيّة".
كما يقول جبران، لأنّ تلك اللّغة هي تلك الخصوصيّة الّتي يلتقي فيها عمقنا التاريخيّ والاجتماعيّ والفكريّ ومستقبلنا إنّما نراه بها.
إنّ اللّغات تتطوّر مع مرور السنين لتحفظ كيانها أمام المتغيّرات الحديثة، ولست أعني في التطوّر المسّ بقواعد العربيّة، فاللّغة العربيّة الفصحى هي لغة مبدعة صرفًا ونحوًا وتركيبًا، وهي قادرة على اجتياز الزمان عصرًا فعصرا، وإنّما أعني أن نجتهد بقوّة لابتكار أساليب جديدة تعوّض قصورها في وضعيّتها المعجميّة ، لتمكينها من امتلاك ثقافة العصر، وجعلها إحدى " أمّهات لغات الحداثة"، كما يراها أنسي الحاج في أدب جبران.
ومهما يكن من أمر، لا يمكن ترك تلك اللّغة الّتي هي من مقوّمات وجودنا في مثل هذه الوضعيّة.