Advertise here

الضبط والربط!

06 تموز 2019 12:46:00 - آخر تحديث: 06 تموز 2019 13:05:09

الكل يعلم أن المناصب الوزارية في لبنان توزع وفق نظام محاصصة طائفية، دون النظر إلى مؤهلات الوزير أو ثقافته أو قدراته الشخصية، أو حتى إذا كان يمتلك خصالاً معينة تساعده في تأدية مهامه. 

حتى بعض المناصب العسكرية خضعت لتلك المعادلة بما في ذلك وزارة الدفاع اللبنانية، فهي الوحيدة التي يجب أن يتولاها عسكري ملم بالأمور العسكرية والقوات المسلحة اللبنانية، ضابط كبير يكون على دراية تامة بالعلوم العسكرية، صاحب هيبة ومكانة، يتصف بالجدية والبطش عند الحاجة. 

عدت إلى التاريخ قليلا باحثاً عن دروس وأمثلة تساعدنا على إدراك مدى أهمية وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، فرأيت مثالا في مصر بعد نجاح ثورة يوليو عام 1952. لقد أضطر جمال عبد الناصر إلى رفع رتبة صديقه عبد الحكيم عامر من رتبة رائد إلى رتبة مشير وسلمه قيادة القوات المسلحة المصرية نظراً لحساسية هكذا مركز. لم يعمل عبد الحكيم على تطوير إمكانياته العسكرية لتتناسب مع هذا المركز الكبير وبقي قادراً على قيادة كتيبة لا قيادة جيش كبير. 

كان شخصاً طيب القلب ومحباً، قادراً على بناء علاقات حسنة لكنه غير قادر على الضبط والربط. ويقول عنه مدير المخابرات المصرية آنذاك زكريا محيي الدين: "...ولعل الخطأ الأول في حق عامر هو أنه عين قائداً للجيش، لقد فعلها عبد الناصر لأنهما كانا صديقين حميمين، فأراد أن يضمن به ولاء القوات المسلحة، لكن عامر لم يكن رجلا من هذا النوع، فهو "عمدة" طيب القلب يحب أن يقيم علاقات حسنة مع الناس، وأن يتباسط معهم، وهو لا يهتم كثيراً بالضبط والربط..... لقد ظلموه عندما عينوه قائداً للجيش فهو شخص جماهيري، ولو عين نائباً لرئيس الجمهورية وتفرغ مثلا "لهيئة التحرير" لكان قد حقق نجاحات مبهرة فهو شخص مرح وطيب وقادر على إقامة علاقات شخصية حميمة، وآخر ما كان يصلح له هو أن يتولى مسؤولية الضبط والربط، وأن يتابع معها التسليح وتطوير الأسلحة والتدريس وما إلى ذلك. ولعله لم يهتم بهذا كثيراً، بل غلبت عليه روحه الطيبة وشخصية العمدة، فكان سخياً على الضباط، وكسب حبهم إلى درجة كبيرة ولكن النتائج لم تكن مفيدة لأحد، لا لمصر، ولا للجيش، ولا له هو شخصيا".
أما المشير محمد عبد الغني الجمسي رئيس أركان القوات المسلحة المصرية عامي 1973 و1974 ووزير الدفاع بين عامي 1974 و1978 أجاد عملية الضبط والربط وفرض هيبته حتى لقبه كبار ضباط العدو الإسرائيلي بالرجل "النحيف المخيف".
نحن دائماً بحاجة لرجال دولة، لهامات وقامات كبيرة قادرة على القيام بواجبها بالكامل دون تحيز أو تردد. بحاجة لشخص قادر على فرض هيبته على العدو قبل الصديق. فالملك البريطاني عين ونستون تشرشل رئيسا للوزراء وقال له: "أنت الشخص الوحيد الذي يخاف منه هتلر"!