Advertise here

حتى لا نعود إلى الزمن الأسود!

06 تموز 2019 12:03:00 - آخر تحديث: 20 تموز 2020 18:33:10

كتاب مفتوح إلى فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون 


من موقعي كمواطن على قدر متواضع من المعرفة بالتاريخ والأحداث، وقد عاش جيلنا المخضرم معظم وقائعها. وبعد الذي حدث خلال الأيام الماضية في الجبل، حيث كادت الفتنة أن تستيقظ، وفي خضم هذا الذي يجري حيث تتداخل الحقائق بالأكاذيب، والقيم بالرذائل، وتكاد الأبواب توصد أمام الأمل الذي حلم به اللبنانيون، والجبل خاصة.  أن تشرق شمس الدولة، على تلالنا وربانا، الدولة التي يحلم بها المواطنون العقلاء، دولة العدالة في كل جوانب الحياة السياسية، والإقتصادية والإجتماعية، والإنسانية، فيما يتعدى المقامات والمناصب والمواقع والعائلة والسلطة، ومن يحومون حولها وفيها ومنها. هذه الدولة لا تزال في الحلم، لأن اليقظة من الحلم ولوج في الواقع الأسود، والزمن الأسود.
فخامة الرئيس
السياسة في اللغة مصدر لفعل ساس، يسوس، سياسة، أي تدبر الأمر بالعقل والحكمة. السياسة رٌؤية مستقبلية، متحررة، متجردة، تتجاوز الشخصانية، إلى حيث الوطن ورحابه، الى امانة ترسم معالمها الارادة النزيهة، يقودها أفذاذ في الفكر والعلم والتخطيط والأخلاق، والفناء عن الأنا في الوطن وللوطن.
   هل هذا ما يحدث في لبنان؟
ما يعنينا اليوم، هو ما يحدث في الجبل! هل هو فتنة مدروسة تخطيطا وأهدافا؟ يقوم بها مهووسون، يحاولون إعادة عقارب الزمن الى الوراء؟ الخوف كل الخوف والريبة أن تكون الحقيقة هكذا. والمؤسف أن يكون هذا الذي يجري في منتصف عهدكم وولايتكم، دون أن يُترك لهذا العهد ولكم فرصة تحقيق ما وعدتم به. وعاش اللبنانيون على هذا الوعد، ليكون الواقع -الكارثة، حيث يكاد اليأس والاحباط، سمة هذه الأيام، أحداثا وساسة ومسؤولين.
نعود إلى ما حدث في الجبل! 
وأقل ما نصفه هو النكسة، لا أتهم ولا أحلل، فالأمر متروكٌ لذوي الأمر – القضاء. إنما أنقل بعض ما يعانيه الناس في الجبل كما في كل لبنان. 
الناس يا فخامة الرئيس يتوقون إلى الأمان السياسي والإقتصادي والإجتماعي. الأمان الذي يصارع اليأس. الأمان الذي يتحدث الكثيرون عنه، دون خطوات إيجابية، فتتبخر الثقة، ويتبدى للمواطن واقعٌ مكشوف وحاضرٌ مسلوب، ومستقبلٌ في عالم الغيب. فمن المسؤول؟
بإختصار يا فخامة الرئيس...
في نظر اللبنانيين، المسؤول هو من يتبوأ المركز الأول في الدولة – رئيس الجمهورية. قبل رئاسة الحكومة وما تبقى من سلطات مع احترامنا لكل المقامات.
لماذا رئاسة الجمهورية؟ 
لأن الرئيس هو الذي أقسم على حماية الدستور. أي مراقبة ومتابعة الحراك السياسي والإقتصادي والأمني. فالرئاسة هي القدوة في الأمانة والنزاهة والوسطية الشفافة، والتجرد عن أية غاية، أو مكسب، أو طموحٍ شخصي أو عائلي، يتجاوز خدمة هذا الموقع. أو التخطيط لإستثماره فيما يتعدى قدسيته، وبأنه أمانة. ومن قدر الله له هذه النعمة الفريدة من نوعها، الخدمة العامة في أرقى وأسمى معانيها وهي الرئاسة – المواطن الأول والسيدة الأولى. وقمة النجاح أن تتوافر هذه المزايا في الرئيس وتتكامل القدسية بالتوافق والالتزام بالقسم الأكبر – أحلف بالله العظيم... 
ان اللبنانيين الذين أنهكتهم الأحداث، وأفقرتهم وطفى على حاضرهم ومستقبلهم هذا الخواء السياسي، وهذا الصراع العبثي، والجدل العقيم، الذي يضفي على حياتهم وعائلاتهم هذا البؤس، واليقين بأن الصبح لن يبدد ظلام لياليهم وظلم وقهر أيامهم، والمطلوب: وقفة، وقرار حاسم، حازم،ولم يفت الوقت بعد، من الرئاسة. منكم، والبداية –الأقربين، أن تنزع ما يبدو للبعض فتنة متنقلة، وقد لا يكون ذلك. وهو ما يقوم به وزير الخارجية جبران باسيل.
قد يكون له الحق في ممارسة دوره السياسي، غير أن ما يواكب حركته، هو هذا التعالي في الخطاب، والإيغال في الطائفية، والعودة إلى أيام وأحداث عفا عليها الزمن، إذ كانت الارادة الوطنية  تقتضي التحرر من هذا العفن، إلى شمس العصر. الى غد يرحمنا فيه أبناؤنا وأحفادنا، اننا ما غامرنا بأحلامهم، ولا ايقظنا في طفولتهم وشبابهم أحقاداً لأمسٍ لم يكن حتى للمتورطين بمصائبه دورٌ، إلا الانقياد الأعمى لمتهورين،  فأورثونا هذا الذي نتناقش فيه اليوم، من حقوق وهمية، وصراعات عبثية! 
وما معنى؟ إذا صحَّ ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي من حديثٍ جرى في الكحالة، عن أحداث 1840 و1860؟  وهل كان حينها منتصرون ومهزومون؟ لقد كان الجميع مهزومين، ولا حاجة للعودة إلى أسبابها ووقائعها، لأنها ولّت ولن تعود، ولن يجني المفتشون في رمادها وبقاياها وعفنها إلا الخيبة.
ان هذا الذي يجري فخامة الرئيس، هو سرطان في هيكلية الدولة، العهد، عهدكم، والتمادي في هذا الميدان لن يقود إلا إلى الخراب.
القرار قراركم، وابواب قصر بعبدا التي فُتِحت على مصراعيها يوم انتخابكم، وهلّل الناس لوصولكم إلى ما كنتم تطمحون، فحرام أن يتبخر الأمل.
يقولون: الرئيس القوي، نحن عاصرنا المغفور له الرئيس فؤاد شهاب، وكان عسكريا، لقد كان مع الرئاسة كالراهب في الدير، وترفع وتصوف في ذاته ونفسه، وقدم مدرسة ونهجا في الادارة والتوجه نحو العصر.
لم يكن له أولاد، يرثوه ويقتسموا تركته، كان اللبنانيون أولاده، فأورثهم مسيرة شريفة، شفافة، ووطناً يجب أن يستحقوه.
فلتكن نصف الولاية المتبقية تذكيرا أن عهد الرئيس شهاب يمكن أن يتكرر، وأن الوراثة الوحيدة الباقية هي الكتاب – أي الدستور الذي كان يشير اليه في كل مناسبة، أنه مصانٌ كان وسيبقى، لانه رمز لبنان، وفخامتكم اهلٌ لهذا الدور.

 وتفضلوا بقبول الإحترام