اشتعلت جبهة الجنوب مجدّداً، ارتفعت أعداد النازحين في اتجاه القرى الآمنة، النسبة الأكبر منهم وصلت إلى صور والنبطية، في حين استقبلت قرى اتحاد الحاصباني ما يقارب 700 نازح توزّعوا على 9 مراكز إيواء، 6 منها داخل حاصبيا وحدها، ومركزا إيواء في كوكبا، وآخر في مرج الزهور، تم توفير بعض الضروريات داخل هذه المراكز.
حتى الساعة لم تصل المساعدات الأساسية إلى النازحين، أو توزّع «بالقطارة»، كما يقول رئيس اتحاد بلديات الحاصباني سامي الصفدي. ما يخشاه الصفدي هو أن تتوسّع رقعة الحرب، حينها تقع الكارثة. حالياً تمكّنت حاصبيا والقرى المجاورة من احتواء أزمة النزوح، و»الفضل الأكبر للأهالي الذين قدّموا بعضاً من مقتنيات منازلهم للوافدين من قرى العرقوب تحديداً».
معظم النازحين في هذه المنطقة هم من قرى العرقوب، وتحديداً من شبعا وكفرشوبا اللتين تعرّضتا لوابل كبير من القصف، توزّع النازحون على 9 مراكز في حاصبيا ضمّت قرابة 50 عائلة، في حين ضمّ مركز مرج الزهور الذي يقع ضمن مدرسة، كانت مقفلة، 15 عائلة، واحتوى مركزا إيواء كوكبا 12عائلة.
في مركز «جمعية السلام» في كوكبا تقف عائدة القادري مع بناتها على شرفة المنزل تراقب القصف الذي يستهدف كفرشوبا. نزحت بعد 7 أيام من الحرب نحو كوكبا، لأنها «آمنة» على حدّ قولها. تسكن عائدة مع 7 عائلات أخرى في المركز، تؤكد «أنّ الوضع صعب نسبياً»، غير أنها تعوّل على انتهاء الحرب قريباً».
تبكي السيدة الخمسينية، يعزّ عليها ترك منزلها وكل مونتها الشتوية، «الوضع صعب للغاية، بالكاد نتدبّر أمورنا، تركنا موسم الزيتون والخضار، فنحن نعتمد على الأرض في معيشتنا، اليوم نقف عاجزين حتى عن توفير الحد الأدنى من الحاجات». تلهو ليا وشقيقتها في المركز، ترسمان وتقرآن وتتابعان الأخبار، كلتاهما لم تلتحقا بالمدرسة بعد، حتى التعليم عن بعد لم يشمل صفّيهما على ما تقول ليا مبدية أسفها لخسارتها عامها الدراسي، وتصف الواقع «بالقاسي».
بالكاد تتوافر بعض الفرش والأغطية داخل مراكز الإيواء، في وقت يستعدّ فيه النازحون للشتاء وما يحمله من برد قارس، وهنا تقول العائلة «لا نعرف ما سيحلّ بنا، فلا تدفئة متوافرة والمنطقة باردة جداً».
تقسو الأيام على النازحين، ممّن تركوا منازلهم في شبعا وكفرشوبا وكثير من القرى، واحتموا بمراكز أكثر أمناً هرباً من القصف الإسرائيلي العشوائي، وفضّلوا البقاء في أماكن قريبة من قراهم ليتمكّنوا من زيارتها عند كل استراحة للقصف. يتابع رئيس اتحاد بلديات الحاصباني سامي الصفدي واقع النزوح عن كثب، فهو من ضمن خلية الأزمة التي شكّلتها محافظة النبطية الدكتورة هويدا الترك ويرأسها قائمقام حاصبيا. يقول الصفدي «إنّ حركة النزوح تمّ احتضانها في شكلها الحالي، ولكن إن توسّعت الحرب لا نعرف ما سيحلّ بنا. منذ الرابع عشر من تشرين وحركة النزوح بدأت نحو حاصبيا، والاستجابة كانت وما زالت خجولة ومتأخرة».
يشير إلى أنّ حركة النزوح «متذبذبة في المنطقة نظراً لارتباط الناس بمواسمهم الزراعية والحيوانية، إذ يتحيّن النازح فرصة الهدوء ليذهب إلى بلدته ويعاين محاصيله الزراعية، يسيرون على إيقاع القصف». لم تلاحظ حركة نزوح للسوريين من القرى، وهذا يشير إليه الصفدي، وهو يسعى جاهداً لتأمين أدنى مقومات الصمود للنازحين من فرش وحرامات وغذاء، غير أنه يؤكد أنّ الدعم ما زال محدوداً، ولم يشمل الصامدين في قراهم، وهذا حق لهم».
خضعت خلية الأزمة داخل اتحاد بلديات الحاصباني لتدريبات على الاستجابة السريعة تحسّباً لتوسّع الحرب. ويقول الصفدي «نخشى توسع الحرب، لأنّ الضغط سيزداد علينا، خاصة وأنّ الاستعدادات المركزية على مستوى الدولة ضعيفة جداً، ونعيش في منطقة لا ملاجئ فيها ولا لجان أو هيئات للاستجابة السريعة»، إلا أنه يعود ويكرر أنه نجح في احتضان الأزمة بحجمها الحالي. ويلفت الى أنّ مساعدات المجتمع المدني»ليست كافية على الإطلاق، غير أنّها تُمكّننا من توفير بعض الفرش والأغطية عبر UNHCR ومعلّبات غذائية عبر منظمة العمل ضدّ الجوع. و»اليونيفيل» ساعدتنا أيضاً في تأمين حليب وحفاضات للأطفال، ولكن أؤكد أنّ ما يصل من مساعدات ليس كافياً على الإطلاق».
مما لا شك فيه أنّ كبرى الأزمات تتمثّل بالطبابة، وعلى الرغم من قيام طبابة القضاء بتأمين بعض الأدوية المتوافرة، إلّا أنّ الصفدي يشدّد على وجود أزمة حقيقية على مستوى الطبابة، «خصوصاً أنّ مستشفيات حاصبيا ومرجعيون غير مجهّزة، والإنماء لا يصل إلى قرى الأطراف على الاطلاق، وكل القطاعات التي يفترض أن تقدّم الخدمة للناس متعثّرة، وعلى رأسها القطاع الصحي».
من المتوقع أن ترتفع نسبة النازحين أكثر مع اشتداد حدة المعارك، في وقت ما زالت المساعدات للنازحين تصل «بالقطارة»، فهل مراكز الايواء قادرة على استيعاب المزيد؟ وماذا عن الاستجابة لدعمهم؟ فهل تقوم خلية الأزمة بدورها؟