تعتمد الحكومة في إعداد مشروع قانون موازنة 2024، على سياسة استحداث ضرائب جديدة في عملية حسابية هدفها تسديد النفقات الى أقصى حدّ وخفض قيمة العجز المالي وعدم فقدان الاستقرار في سعر صرف الدولار من خلال اعتماد مصرف لبنان مجدّداً سياسة طبع الليرات لتأمين نفقات الدولة.
وفي معرض المدّ والجزر في مسألة استحداث ضرائب أم لا، وفي ظلّ الحملة الكبيرة التي يقودها أعضاء لجنة المال والموازنة والهيئات الاقتصادية والقطاع الخاص، ألغت لجنة المال والموازنة مواد وعدّلت أخرى.
حول تداعيات إلغاء مواد وتعديل أخرى وبالتالي خفض الإيرادات ما سيؤدي الى زيادة العجز، قالت العضو في لجنة المال والموازنة النائبة غادة أيّوب لـ»نداء الوطن» إن العجز هو أصلاً 17 ألف مليار ليرة، والأرقام الواردة في مشروع قانون الموازنة وهمية ومبنية على تقديرات غير واقعية أو جدّية وغير إصلاحية. موضحة أنه «تمّ في الموازنة ضمن الواردات إدراج بند اكتتاب سندات خزينة، وسألت من سيكتتب سندات خزينة؟.
مصدر التمويل
ولفتت الى أن الحكومة ليس لديها مصدر للتمويل، لذلك راحت تفرض ضرائب على الاقتصاد الشرعي، الرواتب والأجور وعلى المؤسسات المنهكة بدل إعطائها تحفيزات. فلم لا تلجأ الحكومة في الموازنة الى الحدّ من التهرّب الضريبي على سبيل المثال، ووقف الاقتصاد غير الشرعي المقدّر بنسبة 60% من إجمالي الاقتصاد». لافتة الى أن «الحكومة في الموازنة لم تتّخذ أي إجراءات سوى التوجّه نحو الاقتصاد الشرعي، أي نحو الملتزمين ضريبياً لسحب المزيد من المال منهم».
وكانت لجنة المال والموازنة أعلنت أمس إلغاء الضرائب المتعلقة بالرواتب والأجور. عن ذلك لفتت النائبة أيّوب الى أنه «لا يجوز فرض ضرائب على الرواتب في حين يترتّب على العامل تسديد فواتير عالية من كهرباء واتّصالات وإنترنت، سيشكّل ذلك عبئاً عليه ولن يستطيع تغطية كلفته المعيشية».
والأمر نفسه ينطبق على المؤسسات والشركات. إذ في الأزمات تعمد الدول عادة الى الحدّ من الضرائب وزيادة الحوافز، لتحقيق نمو، بعدها يتمّ فرض ضرائب. فموازنة 2024 في زمن الانكماش والأزمات تفرض ضرائب هائلة، الأمر الذي لا يتطرق له أحد».
تمويل العجز
الى كلّ ذلك وعن حجم العجز الذي سيكون كبيراً أيضاً بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة، قالت أيّوب إن «مشروع قانون موازنة 2024 لا يلحظ بأي مكان تداعيات الحرب على غزة وتداعياتها على لبنان، وإذا كان العجز اليوم 17 ألف مليار ليرة، كيف ستُسدّد التعويضات على المنازل الموجودة في الجنوب والمواطنين والنازحين ضمن خطة الطوارئ، وفق تلك المعادلة أصبحت الموازنة وهمية بامتياز».
تلك المعادلة أو النظرية المطروحة تقابلها «عودة حليمة الى عادتها القديمة» والتي تقوم على اللجوء الى مصرف لبنان لتسليف الدولة وطبع الليرات مجدّداً وزعزعة استقرار سعر صرف الدولار. حول ذلك قالت أيّوب، «هذا الأمر لن يحصل باعتبار أن العجز أصلاً موجود وأن تقدير الواردات خطأ، كما حصل في العائد المتوقّع للـTVA والمقدّر بمليار دولار، فهذا الرقم غير صحيح، بل أقلّه يجب أن تكون العائدات بقيمة 3 مليارات دولار استناداً الى السنة السابقة. فإذا كانت قيمة الاستيراد 19 مليار دولار كيف تكون الضريبة على القيمة المضافة مليار دولار؟».
وهذا الأمر يطرح سؤالاً آخر: «إما الحكومة على علم بحجم التهريب والتهرّب الكبير، أو يوجد خطأ ما في تقدير الموازنة. فالأرقام الواردة في الموازنة متدنّية لا سيّما في ما يتعلق بالضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركية ورسوم المطار التي يتمّ تقاضيها بالدولار».
وحول الحلّ إذاً لتحقيق واردات بالوضع الذي نحن عليه، قالت النائبة أيّوب «فليؤهلوا الدوائر العقارية والميكانيك... وليفتحوا أبوابها ويحققوا إيرادات من دون اعتماد الوسيلة الأسهل والأسرع وهي الضرائب من الحلقة الأضعف وهو الموظف أكان في القطاعين العام أم الخاص».
ضرائب الأثرياء
وفي ما يتعلق بنظرية فرض ضرائب تصاعدية تصيب الأثرياء، قالت أيّوب «بوضع اقتصادنا المنكمش، أؤيّد تصحيح أرقام الضرائب الحالية والموجودة من دون استحداث ضرائب ورسوم جديدة ومن دون تعديل بمفهوم وطبيعة الضرائب. كل ما طالبنا فيه في لجنة المال والموازنة اعتماد الضرائب التي كانت سارية في العام 2019، مع تغيير سعر صرف الدولار من 1500 ليرة الى 90 ألف ليرة من دون تغيير طبيعتها وزيادة أو إنقاص الشطور والمسّ بجوهر ومفهوم وطبيعة النظام الضريبي اللبناني، لأن ذلك يتطلّب دراسة وإصدار قوانين وفق رؤية اقتصادية واضحة، وإنما فقط تصحيح الأرقام وفقاً لزيادة سعر الصرف.
في جلسة لجنة المال والموازنة التي عقدت أمس، تمّ الاتفاق على رفض الزيادات بالنسب والشطور على الضريبة على الرواتب ولكن هذا لا يعني إلغاء الضرائب القائمة والنافذة بمعزل عن الموازنة. والحلّ لانخفاض الضرائب على الرواتب والأجور من 4000 مليار ليرة بالسنة الى 1000 مليار ليرة، هو الحدّ من التهريب المفتوح وتحقيق النمو البالغ صفراً.
المواد الملغاة
أما المواد التي ألغتها لجنة المال والموازنة في جلساتها المتلاحقة لغاية يوم أمس فهي:
- المادة 16 وتتعلّق بقيمة التحسين على عقار بعد تنفيذ تخطيط ووضع طريق قيد الاستعمال،
- والمادة 17 حول مقدار التحسين بالنسبة الى كلّ عقار، باعتبار أنهما تدخلان ضمن ما يسمّى بفرسان الموازنة أي نصوص تشريعية لا تمتّ الى الموازنة بصلة، كون قانون الموازنة يشكّل وحدة كاملة منسجمة. وسبق للمجلس الدستوري أن أبطل مواد عدة من الموازنات السابقة لهذه العلّة لا سيما في قراره رقم 2/2018.
- المادة 20 التي ألغتها لجنة المال والموازنة وتتعلق باستحداث رسم خدمات سريعة وعاجلة في الإدارات العامة تحت مسمّى «الخدمات العاجلة المدفوعة الأجر». هذا الأمر يقوّض، برأي اللجنة، المؤسسات ويعيق هيئات الرقابة ويمنع المساءلة ويكسر مبدأ المعاملة العادلة بين المواطنين بدلاً من إصلاح الإدارة العامة، ويشرعن الرشوة والفساد.
- المادة 21 والتي تسمح لدافعي الضرائب بتسوية ضرائبهم عن الفترات السابقة بالعملة الأجنبية وتحديداً «اللولار» أي على أساس 50% من سعر صرف الدولار على منصة «صيرفة» 40% سابقاً. فتلك المادة تقنّن مفهوم «الحسابات القديمة» وتشرّع الهيركات على الودائع في غياب أي إطار لإعادة هيكلة البنوك. وهذا ما يصبّ في صالح المصارف التي تعمل على تخفيض مطلوباتها، وتشكّل إحدى الأدوات غير العادلة وغير المدروسة في إطفاء الودائع.
- المادة 25 والتي نصّت على أنه يترتّب على ربّ العمل أن يقتطع الضريبة من الرواتب والأجور التي يدفعها الى الأجير وأن يؤدي المبالغ المقتطعة الى الخزينة بالعملة ذاتها التي دفعت فيها تلك الرواتب والأجور كل ثلاثة أشهر في موعد لا يتعدى 15 من الشهر الذي يلي فترة الـ3 أشهر المعنية.
- المادة 10 التي تتيح لمصرف لبنان منح قروض مدعومة استثمارية. وتمّ إلغاؤها لعدة أسباب أبرزها عدم وجود أي إمكانية أو رغبة في ظل الفجوة المالية الكبيرة التي يعاني منها المصرف المركزي لمنح قروض، كما استفاد الكثير من المتنفذين من الذين لا يستوفون الشروط من هذه المادة ما أثر سلباً على الودائع.
المواد المعلّقة
تمّ في جلسة 16 تشرين الثاني تعليق مواد قانونية بنيوية تتعلّق بالموازنة وأبرزها:
1 - تعليق إجازة الاقتراض: فقد اعتبر النواب أن الاستدانة شكلت أحد عناصر الانهيار المالي الأساسية من خلال إجازتها من دون سقف بالرغم من تعديل الإجازة الواردة في المادة الخامسة من الموازنة منذ 2010 ووضع سقف محدد لها هو العجز المقدّر فيها.
واليوم وبعد توقّف الحكومة عن دفع سندات اليوروبوند في آذار 2020 وتعثر القطاع المصرفي وعدم رغبة وقدرة مصرف لبنان على إقراض الدولة، فلم يعد هناك أي معنى لهذه الإجازة خاصة أن المادة 88 من الدستور تتيح للحكومة الاقتراض شرط العودة الى المجلس النيابي لإجازة أي قرض عمومي».
2 - تعليق المادة 7 المتعلقة بقبول الهبات والقروض والتي كان لها أسوأ الأثر على المالية العامة قبل تعديلها في السنوات الماضية.
3- تعليق المادة 8 المتعلقة بإجازة الحكومة ووزير المالية نقل الاعتمادات من بند لآخر في الموازنة بمخالفة للمادة 83 من الدستور.