الكذب الإسرائيلي متواصل... وجه آخر لحرب غزّة
20 تشرين الثاني 2023
14:56
Article Content
هي حرب "استثنائية" كما وصفها كثيرون باعتبارها نقطة تحوّل في تاريخ القضية الفلسطينية، إذ مما لا شك فيه أن الاحتلال قد تعرّض لضربة قاسية جداً وقد طالت كثيراً فترة الرد على هذه الضربة، وتخطّت كل الحدود الإنسانية بالجرائم التي يتعرّض لها الغزاويون داخل القطاع والفلسطينيين في الأراضي المحتلّة. وما يجعل هذه الحرب مختلفة عن سابقاتها هو شكل المنطقة حالياً التي تغيّرت انقساماته وملامحه عمّا كانت سابقاً، وهذا الأمر الذي يعزز تعقيدات الوضع الجيوسياسي ويجعل هذه الحرب تختلف عن غيرها في التأثير والأبعاد الإقليمية، فكيف تبدو اليوم الصورة الشاملة للحرب على غزة؟
تقييم عسكري للميدان في غزة والجنوب
العميد الركن الدكتور هشام جابر في حديث لجريدة الأنباء الالكترونية اعتبر أن العدو الإسرائيلي لم يحقق حتى الآن أي إنجاز عسكري أو استراتيجي في غزة، مضيفاً "يمكن أن نعتبر أنه حقق إنجازا تكتيكياً بدخوله إلى القطاع ولكنه فعلياً لم يحقق أي هدق من أهدافه الاستراتيجية بعد 40 يوماً وأكثر، ولم يدمّر الأنفاق كما كان ينوي، ولم يستطع كسر الآلة العسكرية لحماس لذلك فهو فشل في هذه المعركة وتبيّن أنه كاذب بكل معنى الكلمة فقد استطاع إقناع البيت الأبيض الأميركي ووزارة الدفاع الأميركية أو غشّهم لكي يقولوا أن هناك أنفاق ورهائن وقياديو حماس تحت المستشفيات والمجمعات إلا أنهم عادوا وتراجعوا عن هذا التصريح بعدما تبيّن أنه كاذب، ما يعني أنهم أصيبوا بفشل ذريع وما قام به العدو فعلاً هو قتل المدنيين في قطاع غزة".
أما عن الجنوب، "فالوضع ممتاز جدا"، قال جابر، مشيراً إلى أن حزب الله يتعامل مع الجبهة الجنوبية بالكثير من الدراية والحكمة والشجاعة وحتى الآن لم ينزلق، والحزب كان واضحاً منذ اليوم الأول بأن الضربة بضربتين والصاع بصاعين والمدني بالمدني والعسكري بالعسكري، وإذا وسّع العدو الإسرائيلي محيط ضرباته بكيلومتر يقوم الحزب أيضاً بتوسيع الضربات بأكثر من كيلومترين على الأراضي المحتلّة"، مؤكداً أن هناك 3 مكاسب أساسيّة حققها حزب الله في جنوب لبنان منذ 40 يوم، أولى هذه المكاسب هي أنها جعلت العدو الإسرائيلي يجنّد أكثر من 40,000 جندي 3 فرق ولواء جولان على الجبهة الشمالية، المكسب الثاني كان إصابة الكثير من الخسائر لدى العدو وردعه بشكل كبير، والمكسب الثالث كان تدمير الكثير من أجهزة الرادار والتنصت وغيرها، وهذا ما يجعل الوضع في جنوب لبنان سليم جدا".
ماذا عن الخسائر البشرية؟
"اعترف العدو الإسرائيلي حتى الآن بسقوط 1500 قتيل" يقول جابر، ويضيف "بالرغم من ذلك فهم حتى الآن لا يعترفوا بخسائرهم كلها ويكذبون في إعلان حصيلة قتلاهم وذلك لأن هناك رقابة عسكرية تمنعهم من الإعلان عن العدد الحقيقي للقتلى والصور الحقيقية للدمار الحاصل في الأراضي المحتلة وذلك حفاظا على المعنويات العسكرية وتفاديا للحرب النفسية, إضافة إلى ذلك فإن تدمير 160 آلية فبأقل تقدير يوجد 3 جنود في كل آلية إضافة إلى 12 عنصر في كل حاملة الجنود واحدة، ما يعني أن عدد الإصابات والقتلى بات أكثر بكثير مما تم الإعلان عنه، وذلك وسط التعتيم الإعلامي الحاصل من قبل العدو والأهم أن الاحتلال يستهدف المدنيين في قطاع غزة أي 90% من الشهداء في غزة هم مدنيين أما حزب الله وحماس فلا يستهدفون المدنيين بل المراكز والأهداف العسكرية".
ما أهمية الهدنة المطروحة؟
وفي هذا السياق، يؤكّد جابر أن الهدنة اليوم مطلوبة وضرورية بشكل كبير، أولاً كي يتنفس قطاع غزة بعض الشيء وكي يعيش الناس أياماً بدون التفكير بأنهم سيقتلون بأي لحظة، وثانياً كي تستفيد حماس منها وتكون فترة استراحة محارب وهذا ما يخيف الإسرائيليين ويجعلهم يرفضون الهدنة، وأما ثالثاً والأهم هو دخول المساعدات في فترة الهدنة وأيضا كي تستطيع حماس اتخاذ قرار تحرير أسرى من أطفال ونساء وذوي الجنسيات المزدوجة، لكن المطلوب طبعا ضمانات لالتزام الجانب الإسرائيلي بهذه الهدنة، فهي لا شك في أنها لن تكون ذات خسارةعلى حماس ولا بأي شكل من الأشكال.
الموقف العربي: خيبة أمل وتقصير
أخيراً، وعن الموقف العربي تجاه الأحداث وما يحصل في قطاع غزة من ارتكابات وجرائم وإبادة جماعية، فاعتبر جابر أن الموقف العربي "مخيب للآمال"، طارحا تساؤلات يكاد يكون أهمها "57 دولة عربية وإسلامية لم تستطع فتح معبر لإدخال المساعدات إلى داخل القطاع؟ بالرغم من التعاطف الذي أبدته هذه الدول إلا أن لا عمل جدي ولا تأثير استطاعت أن تقوم به، والقمتين العربية والإسلامية لم تتمكنا من الضغط بالشكل المطلوب على إسرائيل"، مضيفاً أن هذه الهدنة ليست بسبب الضغط العربي على الاحتلال "فالعالم بأسره والشعوب حول العالم تقوم بضغط كبير على الدول خاصة في أوروبا وبريطانيا وأميركا وهناك العديد من الدول قطعت علاقاتها مع إسرائيل وطردت السفير الإسرائيلي وهذا الضغط العالمي هو لمطلب إنساني بحت، ولا يمكن تجاهل أيضا الضغط الذي يشكله أهالي الرهائن في الداخل الإسرائيلي ما يعني أن الاحتلال يحتاج إلى هذه الهدنة كي يستطيع التفرّغ لموضوع تحرير الرهائن لتخفيف الضغط في الداخل الإسرائيلي".
إذا، فالصراع في غزة يبدو واضحاً مع تداخلاته الإقليمية والإنسانية والعسكرية، ويبدو أن التّحديات في هذه الحرب باتت تتعدى حدود الساحة "الحربيّة"، ولكن يبقى السؤال الأهم حالياً، هل سيتمكّن العالم والضغط الشعبي حول العالم من وقف هذا النزيف الإنساني الحاصل قبل الدخول في المجهول أكثر وأكثر؟