Advertise here

هل الهدف من إجتماع "الخارجية" إستفزاز "السراي"؟

03 تموز 2019 09:43:36

لم تكن الإشارة الموجّهة من وزارة الخارجية إلى السراي الحكومي، بعيدةً عن مسار الاستفزازات والإشارات التي كانت توجّه طوال الفترة الماضية إلى الحزب التقدمي الاشتراكي، والتي كان آخرها أحداث الجبل. الرسالة واضحة، وصاحبها أراد أن يقول إنه المتحكّم بمسار البلاد والعباد، وبالحكومة برمّتها، مستنداً على ثلثه المعطّل. فقال للجميع إنه هو الذي يقرّر متى يحضر الجلسات، ومتى يعطّل النصاب. تلك الرسالة الاستفزازية كان الهدف منها الإمعان في ضرب صلاحيات رئاسة الحكومة، تماماً كما هي المساعي مستمرة لتطويع مختلف القوى السياسية.

إشارات الاستفزاز لا بد بأنها ستكون أمام إجراءات سياسية جديدة ستتخذها مختلف القوى، وقد بدأت من خلال لقاءات واتصالات ستتوج مساء اليوم في اللقاء الثلاثي الذي سيُعقد بين الرئيس نبيه بري، والرئيس سعد الحريري، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. وصحيح أن اللقاء يركّز على رأب الصدع، والحفاظ على الاستقرار، فإن الهدف أيضاً الحفاظ على التسوية تحت سقف الدستور في مواجهة كل محاولات انتهاك الدستور، والإخلال بالتوازنات. وليس بعيداً عن هذا اللقاء الثلاثي، أن تتفاعل الساحة السياسية في البلاد ككل بعد أحداث الجبل، وبشكلٍ وضع الوزير جبران باسيل، وبعض حلفائه، في خانة النبذ السياسي والاجتماعي، وخاصة على إثر اللقاءات التي عُقدت في بكركي، والبيانات التي صدرت مشددةً على الحفاظ على المصالحة، وخصوصاً من البطريركية المارونية، أو من حزب القوات اللبنانية، أو تيار المردة.

هذا المسار من شأنه أن يعزز منطق التوازن في البلاد مقابل منطق التشبيح والاستباحة. هذا المنطق الذي حاول البعض أيضاً تكراره بالأمس، فأوقع نفسه في جملة تناقضات يشهد عليها الزمن. فبدا إما أنه خارج سياق الزمن كلياً، أو أنه يتعمّد اصطناع الفعل واتهام غيره فيه. ولأن الشيء بالشيء يذكر، فلا بد من الرد على بعض النقاط التي تناولها الوزير جبران باسيل في مؤتمره الصحافي.

تحدّث باسيل عن وجوب حصول مصالحة حقيقية وعميقة، وليس مصالحة هشة، بينما قبل أشهر كان يصرّ على إقامة قدّاس لتكريس تلك المصالحة. وأراد خلال القدّاس المضي في استفزازاته الشعبوية التي أزعجت أبناء الجبل، والمسيحيين قبل غيرهم. وقال أيضاً إنه لم يكن له علاقة بحرب الجبل، ولا حتى من تربى على يديه في السياسة كان له علاقة. وهو يقصد رئيس الجمهورية ميشال عون، لكن باسيل ناقض نفسه، إذ خلال جولته يوم الأحد في بلدة الكحالة، توجّه إلى جمهوره قائلاً إنهم يعرفون تاريخ عون في الشحّار وضهر الوحش. وهو كان يقصد تمجيد دور عون في المعارك، فكيف لا يكون لتياره علاقة بالحرب، وكان يذكِر بأمجاد عون عندما كان ضابطاً هناك؟ وأيضاً، ألم تنتهِ حرب الجبل بين القوات والاشتراكي في سنة 1984، لكنها استمرت من قِبل الجيش بقيادة عون ضد الاشتراكي من تلك السنة إلى 1989؟

هناك من يصرّ على منطق التورية والهروب إلى الأمام، فيوقع نفسه بالمزيد من المغالطات، وهو يتحدث بلغة الجمع لا التفرقة. لكنه في المقابل لا يعمل على غير الاستفزاز، فتارة يهين المسيحيين المعارضين له، وأطواراً يسعى إلى تحقيق شرخٍ داخل الطائفة الدرزية باستيلاد زعامات من هنا وهناك، ولا يمارس غير منطق الابتزاز السياسي.

تحدث باسيل عن أنه ليس من القوى التي تلجأ إلى قطع الطرقات، أو التي تعمل على التعطيل، لكنه نسي ربما أن تياره كان على رأس القوى القاطعة للطرقات في 25 كانون 2007، وكذلك في 7 أيار 2008. وتناسى أنه الحزب الوحيد في تاريخ لبنان الذي لجأ إلى تعطيل المؤسّسات وتشكيل الحكومات، بغية تعيينه وزيراً في الحكومات. وهو يدّعي أن إدخاله إلى الجنّة الحكومية وحده كفيل بتوفير تمثيل المسيحيين، متناسياً أنه أصرّ على إقرار قانون انتخابي مسخ وتفريقي وتقسيمي، بغية توفير فرص فوزه بالإنتخابات النيابية الأخيرة بالقوة، بعد أن كان خسرها لدورتين متتاليتين. ينسى باسيل أيضاً، أن تياره كان الوحيد الذي عرقل انتخابات الرئاسة، وأبقى القصر الجمهوري فارغاً لأكثر من سنتين، معطلاً بذلك الحياة السياسية والدستورية إلى أن تتحقق شروطه بانتخاب مرشّحه للرئاسة. فهل بهذا التعطيل تُستعاد حقوق المسيحيين؟ ومن يتحدث عن الجمع لا التفرقة لا يلجأ إلى الاستمرار في محاولات قضم صلاحيات رئاسة الحكومة للعودة إلى زمن ما قبل اتفاق الطائف، متجاوزاً الدستور والأعراف، ولا يوجّه رسائل تهين المؤسّسات من خلال عقد جلسة لوزرائه فيما رئيس حكومته ينتظر قدومه.

مسار التناقض هذا آن له أن يقف عند حدّه على مرارة أحداث الجبل ونتائجها، ولو أن الدروز بوحدتهم ودمائهم قد دفعوا ثمنها هذه المرّة، وهي ليست المرة الأولى التي يدفع فيها الدروز أرواحهم ودماءهم في سبيل لبنان، وإعلاء شأن الدولة، والحرص عليها. فلعّل ما حصل الأحد يعزّز منطق المؤسسات بمواجهة منطق الاستقواء، ولعلّه يعيد القوى السياسية الحريصة على التوافق الداخلي إلى التعاون والتعاضد بمواجهة كل محاولات زرع الفتن وأصحابها خلف الحكومة ورئيسها، وخلف رئيس الجمهورية، الحَكَم الذي يرعى مصالح مختلف أبناء الوطن ومؤسّساته.