ملاقاة الشعوب الحرّة
18 تشرين الثاني 2023
09:47
آخر تحديث:21 تشرين الثاني 202314:07
Article Content
رغم المآسي والأوجاع في غزّة، ورغم القتل والدمار، ورغم القهر والجوع، لا بد من التطرق الى موضوع مهم وهو حراك الشعوب الغربية في دعم غزّة واهلها، وإدانتها لإسرائيل وجرائمها، وهذا تبدُّلٌ واضحٌ في نظرة المجتمع الغربي للقضية الفلسطينية لم نشهده سابقاً، ومن الواجب مقاربته بروية وعقلانية وموضوعية واستثماره أفضل استثمار.
إن القيم الإنسانية والأخلاقية التي نادى بها الغرب منذ قرون، أي قيم العدالة والحريّة والمساواة، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، والتي تم توثيقها بعهود ومواثيق وإعلانات عالمية، لم تذهب هباءً أدراج الرياح، بل ترسّخت في نفوس الشعوب الحرّة، وهذا ما رأيناه في ردّة الفعل لدى غالبية شعوب اوروبا واميركا تجاه المجازر التي ترتكبها إسرائيل في غزة، غير آبهين بكل القمع والمنع والتضييق والتهديد الذي يُمارس عليهم من قبل دولهم ومن قبل المؤسسات التي يعملون فيها وصولاً الى حد طردهم من وظائفهم.
عشرات الآلاف، مظاهرات عملاقة لم يحدث مثيلها في مختلف الدول الأوروبية، كذلك في العديد من دول القارة الأميركية خاصة في الولايات المتحدة، يتظاهرون دعماً للشعب الفلسطيني، لفلسطين حرّة، لغزّة الجريحة المدمّرة. هذه المظاهرات لم يقم بها دعاة العروبة وحاملي لواء تحرير فلسطين. وهنا يجب ان نفرّق بين الشعوب الغربيّة الحرّة الحيّة وبين أنظمتها الداعمة لإسرائيل، هذه الشعوب التي تقوم بالضغط على حكوماتها للوقوف الى جانب الحق، بالتأكيد سوف تحاسب قادتها مستقبلاً على وقوفهم الى جانب الباطل والمجرم والمستعمر، وعلى تجاهلها جميع المواثيق والقيم التي بنتها الاجيال المتعاقبة على مرّ السنين بعد مسارات طويلة تغمّست بالدم أحياناً. واللافت نزول مظاهرات لمواطنين يهود في اميركا ومظاهرات من الشرطة البريطانية في لندن دعماً لغزّة ورفضاً لإجرام إسرائيل.
من هنا علينا عدم معاداة الغرب بالمطلق شعوباً وحكّام، فنكون بذلك قد وقعنا في فخ الصهيونية وغلاة التعصب الإثني والديني. ومن الضروري مخاطبة هذا المواطن الغربي المتنوِّر، بعقلٍ منفتح، بالحوار الهادئ الهادف، بتعزيز خطوط التلاقي وتوسيع المساحات المشتركة القائمة على مبادئ الحق والعدل والفضيلة، وحقوق الانسان. فإن كانت قد ضمرت في زمننا هذا تلك القيم وتم تجاهل كافة المواثيق الدولية الإنسانية بسبب غطرسة بعض الدول المستعمرة والانظمة الظالمة المستقوية بآلتها العسكرية، فهذا لا يعني بأن نستسلم ونرضخ لإجرامهم وحقدهم، وأن ننجر الى ظلاميتهم وعنصريتهم، فلن يفيد الاستعلاء والقتل بهدف ترويض الشعوب وإخضاعها بالقوة، ولن نقع في زيف سياساتهم المضلِّلة التي قسمت العالم بين غني وفقير، بين متعلم وجاهل بين سيدٍ وعبدٍ تابع.
علينا ان نعمل بكل جدٍ لمحاربة وتكذيب السردية الإسرائيلية السائدة والمسيطرة على العالم، سردية ان إسرائيل ضحية والفلسطينيون والعرب إرهابيون، ونلاحظ ان الإعلام الغربي منحاز كلياً للسردية الصهيونية ولم يكلّف نفسه التحقق او التثبت من صحة هذه المقولة، باستثناء بعض الصحافيين الأحرار.
هذا العمل جزءٌ من واجب كل مواطن، عربياً كان ام عالمياً للمساهمة في نصرة القضية الفلسطينية المحقة، وفي دعم حق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه المغتصبة والعيش في دولة مستقلة بكرامة وسلام.
لقد بدأت تتكشف صورة الحقيقة، وبدأت إسرائيل تخسر ما بنته منذ تأسيسها على انها الضحية المظلومة، وان العرب والفلسطينيون يريدون القضاء عليها ورميها في البحر. وشيئاً فشيئاً اصبح الفشل يتسرب الى حملتها المكارثية التي تحاول من خلالها إلغاء كلِ مؤيدٍ ومناصر لفلسطين في كافة المحافل الدولية الثقافية والسياسية والعلمية والاجتماعية، والتي دعَّمتها بمفهوم "معاداة السامية" زوراً، رغم ان المصطلح تستخدمه في غير محله، ولا يظهر الا حين يتعلق الأمر بانتقاد جرائم إسرائيل وظلمها للشعب الفلسطيني.
الرأي العام العالمي بدأ يتغير، حقيقة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بدأت تظهر للجميع، لا بد من مواكبة هذا الوعي وتقديم الدعم اللازم للقضية الفلسطينية، يجب ان لا نضيع هذه الفرصة. من المهم التركيز على مراكز ووسائل التأثير في العالم وخاصة في الدول الغربية، كالجامعات ومراكز الأبحاث والمنتديات والجمعيات والمؤتمرات وتفعيل المشاركة فيها من خلال لجان وأشخاص مؤثرين. اضافة الى العمل على إيصال الحقيقة كما هي وليس كما يسوقها الصهاينة من خلال كل الوسائل المتاحة وخاصة عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
فهل يغتنم العرب عموماً والفلسطينيون خصوصاً هذه اللحظة التاريخية ويستفيدوا من الرأي العام الغربي والعالمي لرفد القضية الفلسطينية بقوة دفع ودعم كبيرة ليتمكّن الشعب الفلسطيني من تحصيل حقوقه المشروعة؟
فلسطين تستحق…
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.