Advertise here

في معركة الصغار على جنبلاط... المطلوب رأس البلد

02 تموز 2019 13:32:23

ينقسم السياسيون إلى قسمين. قسمٌ يرتكز على الابتكار والإقدام. وقسمٌ يغرق في لسانيات الجماد وتحجّرهم الفكري. القسم الأول ينطوي على خامةٍ من طينة الكبار، والرجال الرجال، بمواجهة ضعفاء النفوس الذين يمثّلون القسم الثاني. وهؤلاء في مراقبة بسيطة وعرضية لمواقفهم، لا يختلفون عن بعضهم بعضاً، ولديهم قاموسٌ موحّد من الاصطلاحات يلجأون إلى استخدامه كلّما أطلوا على الناس. قد تكون المشكلة في شخصٍ من هذا النوع، لكن أن يكون النموذج معمّماً على محورٍ بأكمله، فهذا يمثّل آخر الدنيا.

يصنّف وليد جنبلاط من القسم الأول، بينما ينحدر خصومه إلى ما دون الثاني. فليس لديهم قاموسهم الخاص، وإن كان التكرار عماده، بل يستندون إلى قواميس غيرهم، فلا يقدرون على مواجهته، إلا بلغة الشتم والذم. أوصافهم أصبحت معروفة، وتفتقد إلى أي نقاش سياسي حقيقي، فيطلّون على الناس بأوصافٍ بالية، وربما تليق بمقاماتهم أو بطموحاتهم، على غرار اتّهام وليد جنبلاط بالطائفية، أو المذهبية، ووصفه بالانعزالي، وصاحب المناطق المقفلة، وأقسى ما يفعلونه هو اتّهامه بصفة الإقطاعية.

جلّ ما يقال في هؤلاء هو أنهم عديمو بصرٍ وبصيرة، وآليات التفكير معطّلة لديهم، فيفوهون بما يلقّنون ويسمعون من دون مرور ما يقولونه على العقل المعطّل لديهم. بالإمكان إحالة هؤلاء على شواهد بسيطةٍ وكثيرة تردّ كيدهم في نحورهم، وتعيد الأوصاف التي يطلقونها إلى ذواتهم. فمن يتهم جنبلاط بالطائفية هم أنفسهم الذين لا يتركون مناسبة إلا ويتحدثون فيها عن الدروز، والساحة الدرزية، ومصالح الدروز. هذا بينما أفق وليد جنبلاط واسعٌ دوماً ورحبه العروبة، ومداه الإنسانية، وإعلاء إنسانية الإنسان. ومِن غير الدروز، فمَن يتهم جنبلاط بالطائفية هم الذين لا يعتاشون على غير مستنقعاتها الآسنة، غارقين في غياهب التاريخ، وأوهام الأمجاد، فلا يتركون مناسبةً إلّا ويلعبون فيها على وتر الشقاق الطائفي والمذهبي، ومشكلتهم ليست مع وليد جنبلاط وحده، بل مع السنّة والشيعة والمسيحيين الآخرين.

ومن يتهم جنبلاط بالإقطاعية، ربما ينطق بما هو يتمناه لنفسه من حديثي النعمة في السياسة والشأن العام، سواءً من خلال عراضات مواكبهم، أو ممارساتهم السياسية، ولو كانت على نهش الناس، وشرب الدماء، أو المتاجرة بها. بينما وليد جنبلاط هو الذي لطالما صبر، وهدأ، وضبطَ الناس احتكاماً للقانون منذ ما قبل حادثة الشويفات وصولاً إلى ما بعدها. تناسى هؤلاء اشتراكية كمال جنبلاط، وقيادته لحركة وطنية علمانية مدنية مشروعها مواجهة الطائفية. وهذا هو المسار الذي استكمله وليد جنبلاط في صولاته وجولاته، سلماً وحرباً.

وليد جنبلاط هو الذي قاد ثورة الأرز بكل مكوّناتها، وثار دفاعاً عن دماء، سنياً، وفق المنطق الطائفي البغيض, وحملَ دمه على كفّه، ولبنان على كتفيه، وسار بتشييعٍ شعبيٍ للرئيس رفيق الحريري ضد الوصاية السورية، وضد مذهبة القضية. وهو الذي عمل على تأمين عودة العماد ميشال عون من المنفى، وخروج الدكتور سمير جعجع من السجن. بينما هم بقوا غارقين في مجاري الوصاية، ومنبطحين على أرصفتها.

وليد جنبلاط هو الذي دعم الثورة السورية، ببعدها المدني العربي، وذلك على قاعدة إرساء الأوطان بدلاً من البقاء في أسر السجن العربي الكبير. مشكلتهم مع وليد جنبلاط هي أنه ركنٌ من أركان التوازنات، ليس في لبنان وحسب، بل على امتداد المنطقة بدوره وتأثيره، وعلاقاته، ورؤيته. لكن رؤية الانعزال التي لا تنمو على غير استذكار الماضي، بسواده وألمه، تطمح دوماً لكسر التوازنات. لكنهم ينسون أن التوازن إذا ما كُسِر في لبنان، سيلاقون الهاوية. معركة الصغار مع جنبلاط جزءٌ من مشروع لطالما واجهه الرجل، ومن يحتلّون الشاشات، ويطلقون العنان لأبواقهم هذه الأيام، وهم ليسوا سوى بيادق صغيرة في هذا المشروع، أو أغطية لمن يريد الاختباء خلف إصبعه. الهدف من تقويض جنبلاط، هو تقويض لبنان ككل، والانقضاض نهائياً على المشروع العربي، فالمطلوب هو رأس البلد.