«الأمن الغذائي» كان عنوان الاجتماع الذي عُقد أمس في مرفأ بيروت لتسريع إجراءات تخليص البضائع المستوردة، ولا سيما في ظل التحضيرات الاحترازية لحالة طوارئ قد تنجم عن حرب واسعة مع العدو الإسرائيلي. فالواردات السلعية الأساسية لا تخرج من المرفأ قبل أقلّ من تسعة أيام، وقد تصل مدّة التأخير إلى 14 يوماً، ما يكبّد المستوردين خسائر قد توصف بأنها طفيفة قياساً إلى المخاطر المتصلة بالأمن الغذائي، إذ إن تأخر دخول البضائع، ينعكس تدنياً في المخزون السلعي للشركات.
الدعوة إلى الاجتماع جاءت من وزير الأشغال علي حمية، بالشراكة مع وزراء الاقتصاد أمين سلام، والصناعة جورج بوشكيان والزراعة عباس الحاج حسن، لوضع كل جهة أمام مسؤولياتها، ومعالجة شكاوى المستوردين الذي يبرّرون عدم قدرتهم على مواءمة مخازنهم مع ما يُطلب منهم في خطة الطوارئ الحكومية، بتعقيدات الإجراءات البيروقراطية لتخليص البضائع من المرفأ. بالطبع، لا يمكن القول إن حرص المستوردين على المساهمة في الأمن الغذائي لا ينبع من كونهم يبغون أرباحاً أكبر لتسريع الاستيراد والبيع. بل هذا جوهر مطالباتهم التي تأخذ اليوم شكل «الأمن الغذائي». ومشكلة التأخير في تخليص البضائع ليست مستحدثة، وليست نتيجة خلل ما في المرفأ، أو بسبب الانهيار النقدي والمصرفي، بل هي مشكلة مزمنة تتعلق بتفكّك الإدارة العامة التي زاد من سوئها انهيار رواتب القطاع العام وعدم حضور الموظفين لممارسة أعمالهم.
وزادت في سنوات الأزمة شكاوى المستوردين المطالبين بتسريع تخليص البضائع. فقبل أسبوعين ناشد رئيس تجمع مستوردي المواد الغذائية، هاني بحصلي، الوزارات والإدارات المعنية «اتخاذ إجراءات استثنائية لتعجيل تخليص معاملات السلع الغذائية المستورَدة وتسليمها لأصحابها تمهيداً لتخزينها بعيداً من أي مخاطر، نظراً إلى الظروف الاستثنائية والدقيقة التي يمر بها لبنان». «الأخبار» اتصلت ببحصلي الذي رفض التعليق على الاجتماع، إنما بدا ممتعضاً، وقال: «مالنا مش سايب»، ملمّحاً باستهزاء إلى ما ورد في المؤتمر الصحافي عن أن أصحاب العلاقة لا يسألون عن بضائعهم في أول سبعة أيام على الاستيراد. وسأل: «هل التجار بإرادتهم لا يريدون إخراج مستوعباتهم من المرفأ؟».
في المقابل، أكّد حميّة «أنني لستُ المسؤول الوحيد عن التأخير». وكلامه لم يمنع المجتمعين من تكثيف اللوم على «آخرين» يستخفّون بالمخاطر المترتّبة على الأمن القومي، إذ قال بعض الوزراء: «يُترك القمح والسلع الغذائية مكشوفة في المرفأ من دون توزيعها وتخزينها بطريقة آمنة ولامركزية. عدا أثر التأخير على نتائج فحوص البضائع الواقفة في عرض البحر، بما يهدّد الأمن الغذائي».
وتشرح مصادر مطّلعة ذلك من خلال المثال الآتي: «إذا خرجت شاحنة قمح من البلد المنشأ بنسبة رطوبة 0.13%، تصل إلى لبنان بعد رحلة بحريّة تتأرجح بين 5 و10 أيام، بنسبة رطوبة 0.121%، لذا فإنّ تواجدها في المرفأ يعرّضها لمزيد من الرطوبة، وبالتالي إنّ تأخّر صدور نتائج الكشف يخفّض من قيمة جودة القمح ويتيح التشكيك في مطابقتها للمواصفات العالمية».
مَن المسؤول عن التأخير؟ ما أجمع عليه المجتمعون هو أن شللاً إدارياً أصاب كل مؤسسات الدولة وإداراتها الرسمية في ظلّ الانهيار، ولا سيما إضراب الموظفين وخفض أيام الحضور إلى العمل، وإفراغ مؤسسات الدولة من موظفيها بين متقاعدين ومنكفئين نظراً لتدنّي قيمة رواتبهم. وفيما أقرّ كلّ طرف، من إدارة المرفأ وخلفها وزارة الأشغال، والجمارك، ووزارات الاقتصاد والزراعة والصناعة ومختبراتها، بمسؤوليتهم، توصّلوا إلى أنّ «المركز التربوي للبحوث والإنماء يتحمّل مسؤولية تأخير 35% من البضائع ما يزيد على 15 يوماً». ولأنّ ممثل المعهد في الاجتماع لم يعطِ الإجابات المطلوبة، تقرر التواصل مع المعهد للتعرف إلى أسباب التأخير.
وبرز في الاجتماع تياران، أحدهما متفائل بانتعاش القطاع العام بعد إقرار الموازنة، وآخر ينظر إلى الأزمة على أنها أعمق من إقرار موازنة تتغيّر بموجبها الأسعار. وفي الحالتين، يمكن النظر إلى الاجتماع بمثابة إعلان فشل في إدارة الدولة. حتى الاقتراحات التي طُرحت كانت عبارة عن تدابير «زجرية» لفرض تخليص البضائع بالقوّة مثل «إصدار مجلس الوزراء مرسوماً يحدّد المهلة القصوى لتخليص معاملات البضائع وفقاً لتصنيفها والوقت الذي يتطلّبه الكشف عليها».