رجحت وكالة التصنيف العالمية ستاندرد آند بورز، في أحدث تقرير لها، ان يكون للمأساة الإنسانية التي تتكشف في غزة وإسرائيل آثار واسعة النطاق على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، منطلقة من قاعدة تحليل أساسية تفترض أن الحرب سوف تقتصر إلى حد كبير على إسرائيل وغزة، وأن تستمر لمدة لا تزيد عن ثلاثة إلى ستة أشهر.
واعتبرت الوكالة ان من شأن التصعيد أن يفتح جبهات إضافية في المنطقة. وعند النظر فقط إلى التأثير على السياحة، تعتقد وكالة ستاندرد آند بورز أن لبنان ومصر والأردن هي الدول الأكثر عرضة للخطر، بسبب قربها الجغرافي واحتمال توسع بعض جوانب الصراع عبر حدودها. وتنبع وجهة نظر الوكالة من نتائج تحليل السيناريو الذي أجرته، والذي اختبرت فيه الأثر المالي لخسارة بنسبة 10%، أو 30%، أو 70% في عائدات السياحة في كل دولة، مشيرة الى انه في العام الماضي، ساهمت السياحة بنسبة 26% من إيرادات الحساب الجاري للبنان، وفي الأردن ومصر كانت النسبة 21% و12% على التوالي، وفي إسرائيل 3%.
موجة لاجئين
ووفقا لمحللة لبنان الرئيسية لدى ستاندرد آند بورز ذهبية جوبتا، فان الآثار المحتملة للحرب تشمل الدمار المادي، وهروب المحافظ الاستثمارية والودائع غير المقيمة نحو الخارج، وانخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر. معتبرة انه من الممكن أن تؤدي الاحتجاجات المتزايدة في مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى تفاقم عدم الاستقرار الاجتماعي والمخاطر السياسية. علاوة على ذلك، فإن تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة أو التصعيد المحتمل في الضفة الغربية يمكن أن يؤدي إلى موجة جديدة من تدفقات اللاجئين التي من شأنها أن تثقل كاهل الاقتصادات في المنطقة.
وقالت: كما رأينا في الأردن ولبنان في أعقاب أزمة اللاجئين السوريين، فإن هذا قد يؤدي إلى إضعاف الوضع المالي والائتماني في تلك الدول. وقد يؤدي الصراع المطوّل إلى خسارة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي وإيرادات النقد الأجنبي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
المتأثر الأول قطاع السياحة
وأشارت جوبتا الى ان قطاع السياحة يعدّ مصدراً كبيراً لخلق فرص عمل ومصدراً مهماً للعملة الأجنبية في العديد من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لافتة الى ان قطاعات السياحة على مستوى العالم تشهد تعافياً قويّاً في العام 2023، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط، حيث ذكرت منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، ان المنطقة استقبلت عدداً أكبر من السياح بنسبة 20% في الأشهر السبعة الأولى من هذا العام مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019، مما يجعل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المنطقة الوحيدة التي عادت فيها السياحة إلى مستويات ما قبل جائحة كوفيد 19، لا بل تجاوزتها لتدعم النمو الاقتصادي والحساب الجاري للاقتصادات في تلك الدول. وبالتالي رأت جوبتا أن عواقب الحرب ستعرّض هذا التقدم المحرز، للخطر.
3 سيناريوات للآثار المالية المحتملة
رسمت وكالة ستاندرد آند بورز ثلاثة سيناريوات تتعلق بخسارة عائدات السياحة بنسبة 10%، و30%، و70%، وتأثير كلّ سيناريو منها على اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالدولار الأميركي، على الناتج المحلي الإجمالي، وعلى احتياطيات النقد الأجنبي. علماً انه تمت معايرة النسب المئوية الثلاث لخسارة السياحة في السيناريوات المذكورة، بناءً على الملاحظات التاريخية التالية:
- خلال الصراع اللبناني الإسرائيلي عام 2006، والذي استمر 34 يوماً، انخفض عدد السياح الوافدين إلى لبنان بنسبة 40% تقريباً في الفترة من تموز إلى آب، وبنسبة 6% في المتوسط للعام بأكمله مقارنة بالعام 2005.
- خلال «الربيع العربي» عام 2011، انخفض عدد السياح الوافدين بنسبة 33% في مصر وبنسبة 20% في الأردن.
- خلال جائحة كوفيد-19، انخفض عدد السياح الوافدين في جميع أنحاء العالم بنسبة 70% في المتوسط في عام 2020. وفيما اشارت جوبتا الى ان احتمال تحقق تقديرات السيناريو الثاني والثالث للخسائر ضعيف، نظراً لفرضية انتهاء الحرب قبل النصف الأول من العام المقبل، اوضحت ان لبنان سيخسر في حال تراجع عائدات السياحة بنسبة 10 في المئة، تدفقات مالية بقيمة 500 مليون دولار وترتفع الخسارة الى 1,6 مليار دولار في حال تراجعت عائدات السياحة بنسبة 30 في المئة، لتصل الى 3,7 مليارات دولار في حال تراجعت عائدات السياحة بنسبة 70 في المئة.
وبالنسبة لتأثير تراجع عائدات السياحة على الناتج المحلي الاجمالي، رجحت جوبتا ان ينخفض الناتج المحلي الاجمالي في لبنان بنسبة 3,3 في المئة مع تراجع عائدات السياحة بنسبة 10 في المئة سنوياً، وان ينخفض الناتج بنسبة 9,8 في المئة في حال تراجعت العائدات 30 في المئة، ليصل الانخفاض في الناتج الى 22,9 في المئة في حال تراجعت العائدات 70 في المئة.
أما احتياطات النقد الاجنبي، فستنخفض بنسبة 2 في المئة في حال تراجعت عائدات السياحة 10 في المئة، وستنخفض بنسبة 6 في المئة في حال تراجعت العائدات 30 في المئة، لتصل نسبة التراجع في الاحتياطات الى 13,9 في المئة مع تراجع عائدات السياحة 70 في المئة.
تداعيات في مصر والأردن
وأوضحت جوبتا ان مصر، لبنان والاردن، المجاورة المباشرة لإسرائيل وغزة، تعتبر أكثر عرضة لتباطؤ السياحة، نظراً للمخاوف بشأن المخاطر الأمنية والاضطرابات الاجتماعية وسط نقاط الضعف الخارجية العالية. بالاضافة الى ذلك، فان قطاع السياحة يساهم بنسبة تتراوح بين 12% إلى 26% من إيرادات الحساب الجاري، مما يولد دخلاً من العملات الأجنبية بالإضافة إلى فرص العمل.
وذكّرت انه خلال النصف الأول من عام 2023، ارتفعت إيرادات السياحة بأكثر من 50% في الأردن و30% في مصر وكانت عند مستويات قياسية على مدى 12 شهراً حتى 30 حزيران في كلا البلدين. وفي لبنان، ارتفع عدد الوافدين بنسبة 33% في الفترة من كانون الثاني إلى آب مشيرة الى ان السياحة توفر فرص عمل لنحو 20% من السكان في الأردن ولبنان، وهي قطاع مهم، نظراً لمعدلات البطالة التي تبلغ حوالى 30% في لبنان و19% في الأردن. وفي مصر، يوظف هذا القطاع بشكل مباشر ما يقرب من 10% من السكان.
النزيف اللبناني
وفيما أشارت جوبتا الى ان شركات طيران مثل «لوفتهانزا» و»يورو وينجز» والخطوط الجوية السويسرية اوقفت رحلاتها إلى لبنان في منتصف تشرين الاول، لفتت الى ان لبنان يعتمد على القطاع السياحي بشكل كبير بين الدول الأربع (اسرائيل، مصر، الاردن)، حيث شكل 26% من إيرادات الحساب الجاري. مما يعرّض البلاد لضعف النمو الاقتصادي والأرصدة الخارجية بسبب انخفاض عدد السياح الوافدين. وإذا انخفضت عائدات السياحة بنسبة 10% إلى 30%، فإن الخسارة المباشرة قد تصل إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي. وبينما يبدو التأثير أكثر هدوءاً كنسبة مئوية من الاحتياطيات الأجنبية، فإن ذلك يرجع إلى أن إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي أعلى في لبنان ولكنها تشتمل على جزء كبير من الذهب والاحتياطيات الالزامية على ودائع البنوك بالعملات الأجنبية، والتي لا يمكن لمصرف لبنان الوصول إليها. موضحة انه في سياق الشحّ المستمر في العملات الأجنبية، وانخفاض قيمة العملة بأكثر من 95% منذ عام 2020، والتضخم المفرط، والفراغ السياسي، لا يستطيع لبنان تحمل التخلي عن تدفقات العملات الأجنبية الهامة من السياحة.