مضت ثلاثون يوماً، وآلة القتل الإسرائيليّة تفتك بالشعب الفلسطيني حتى أضحى قرباناً على مذابح الأمم، ويعمد بعض الدول إلى الإستثمار في محنته في غزة، عوض الإستثمار في فرض حلٍّ سياسيٍّ عادلٍ للقضيّة الفلسطينيّة.
وإن كان تمديد الصراع لأيام وأشهر وفق المعطيات الميدانية يعكس بطبيعة الحال تمديداً آخر لمأساة الفلسطينيين، فإنّ المساعي الدوليّة لدفع إسرائيل إلى وقف أعمالها العدائيّة لا ترتقي إلى مستوى الإبادة التي ترتكب في حقّ الفلسطينيين، كما محاولات تصفية قضيتهم وتهجيرهم القسري من غزة والضفة الغربية؛ وهذا ما دفع بعض المراقبين إلى المطالبة باستخلاص دروس الحروب السابقة، والإستثمار في مسار السلام عوض الرهان على الحروب ومآسيها المدمرة.
ووسط التسليم بإطاحة إسرائيل المواثيق والقوانين الدوليّة والإنسانيّة، وانخراط الولايات المتحدة بشكل غير مسبوق في دعم آلة القتل الإسرائيليّة، ومن خلفها غالبيّة الدول الأوروبيّة، والتذرّع بما أقدمت عليه «حماس» في 7 تشرين الأول من أجل الإمعان في استعمال شتّى الوسائل العدائيّة للقضاء عليها؛ أوضح أستاذ العلاقات الدوليّة خطار أبو دياب لـ»نداء الوطن» أنّ المطالبة بإنهاء مشروع «حماس» شيء، والشعب الفلسطيني شيء آخر، قبل أن يتوقف عند مقاربة القوى السياسيّة ومحاولة بعض الدول الإستثمار في القضيّة الفلسطينيّة من أجل إعادة تعويم نفسها. وذلك بالتوازي مع تعويل مرتقب على الديبلوماسيّة العربيّة حيث تشكل المملكة العربيّة السعودية رأس حربةٍ في المساعي والإتصالات الهادفة إلى الإسراع في إيقاف الحرب والتوصل إلى حلّ عادل للقضيّة الفلسطينيّة كمقدمة حتميّة لمسار السلام المرتقب في المنطقة.
ورغم تأكيده أنّ المسار الديبلوماسي لوقف الحرب لن يتم بين ليلة وأخرى، كشف أنّ السعودية في صدد التشديد على وجوب العودة إلى الأدبيات الواقعيّة حول حلّ الدولتين خلال دعوتها إلى 3 قمم إستثنائيّة، وهي: دعوة جامعة الدول العربيّة إلى الإنعقاد بعد أيام، والتحضير لقمّة عربيّة – أفريقيّة، وقمة أخرى لمنظمة دول التعاون الإسلامي تضم بطبيعة الحال إيران وتركيا.
وأكد أنّ تجاوز المسألة الفلسطينيّة غير وارد في ظلّ المآسي التي تحصل راهناً في غزة، مشدّداً على وجوب تخطّي الفلسطينيين التشرذم بين «حماس» والسلطة الفلسطينية، والتوصّل إلى موقف أو تصوّر واحدٍ لوضع حدٍ للحرب، والعمل على تحقيقه بلقاءات الرئيس محمود عباس وزير الخارجية الأميركية أنطوني بلينكن، بالتوازي مع لقاءات رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية، أكان في قطر أو في طهران؛ بعد إعلانه أنّ «الحركة» مستعدة للتفاوض وقدمت للوسطاء تصوراً شاملاً يشمل فتح المسار السياسي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس وحق تقرير المصير. واعتبر خطّار أنّ التطور في موقف هنيّة يعكس إستعداد قيادة «حماس» السياسية للعب ورقتها السياسيّة بعد نفيها العلم المسبق بعمليّة «طوفان الأقصى».
وتوقف أبو دياب عند استثمار بعض الدول ورهانها على عدم الإستقرار في المنطقة، ومن بينها إيران التي تسعى إلى حجز مكانة متقدمة لها في مستقبل المنطقة من خلال إعادة ترتيب خارطة النفوذ السياسي والجغرافي، ولفت إلى أنّ هكذا رهان يعدّ «سيفاً ذا حدّين»، كونه ينمّ عن مزايدةٍ على الدول العربيّة، بالإيحاء أنّ المعركة هي معركتهم وعليهم خوضها، والتغاضي عن أنّ الدول العربيّة الأساسيّة وبفضل سياسات إيران وهيمنتها، لم تعد تتمتع بمقومات الدولة، على غرار ما حلّ في سوريا والعراق واليمن، كما لبنان.
ومع استبعاده انخراط محور الممانعة أو المقاومة في توحيد الساحات أو الجبهات، رأى أنّ الولايات المتحدة الأميركية وإيران لا تريدان المجابهة راهناً، وأنّ إيران بعد تحقيق مكاسب لها في اليمن والعراق ولبنان لا تريد التفريط بها، وتسعى إلى تغليب مصالحها ومشروعها وديمومة نظامها على جميع المسائل الأخرى، ومن بينها فلسطين التي يدفع شعبها في غزة الثمن. واعتبر أنّه في موازاة عمل الولايات المتحدة على ضمان أمن إسرائيل، فإنّها تحرص على ترتيب شراكة مع إيران أو التعايش مع نظام خامنئي.
وكشف أنّ مصر والمملكة الأردنية تعمدان إلى استعجال وضع حدٍ للحرب، جراء الخشية من فرض التهجير القسري للفلسطينيين، والمخاطر من تنامي الإرهاب في مصر. في حين تتخوّف المملكة الأردنية من التغيير الديموغرافي، في حال إنضمام المهجرين الجدد إلى الفلسطينيين الموجودين على أرضها، وإعادة إنعاش الفكرة الإسرائيليّة بإقامة الوطن البديل.
ووسط تشديده على أنّ فلسطين ضحيّة «سقوط نظام إقليمي عربي» منذ 2003، وسطوة إيران على عدد من العواصم العربية، وضع ما حصل في 7 تشرين الأول، أكان بطريقة مباشرة أو غير ذلك، في إطار السعي إلى ضرب مشروع ربط التطبيع بحلف استراتيجي مع الولايات المتحدة الأميركية، وإعادة إطلاق مسار سلام فعلي وتمويله من أجل التوصل إلى حلّ القضيّة الفلسطينيّة، وإنصاف الفلسطينيين وإعطائهم الحقوق والظروف الحياتيّة التي تليق بهم.