لبنان لم ينج بعد من الحرب. على الرغم من الارتياح الذي ساد بعد خطاب أمين عام حزب الله، السيد حسن نصرالله، وبقاء الحزب في موقع السياسة الردعية لأي اعتداءات واستفزازات إسرائيلية لا تزال مستمرة. بل وعلى الرغم من بقاء "المساندة" الميدانية المحسوبة تحت سقف قواعد الاشتباك المستجدة. فالتطورات اللبنانية تسير على إيقاع حرب غزة. وهناك تقديرات متعددة تشير إلى تراجع منسوب الخوف من تفجر الوضع أو انتقال المواجهات المدروسة على الحدود إلى حرب واسعة. فهذه لا تزال مستبعدة على الرغم من تحقيق الجيش الإسرائيلي لبعض التقدم البرّي داخل قطاع غزة، ولكن من دون تحقيق أهداف عسكرية حقيقية، طالما أن حركة حماس والمقاومة الفلسطينية تستمر في تنفيذ عمليات ضد قوات الاحتلال وتصوب صواريخها باتجاه تل أبيب وغيرها من المستوطنات.
نوايا إسرائيلية
على الرغم من كل هذه الوقائع، يبقى هناك تخوف من احتمالين. الأول، أن يلجأ الإسرائيليون إلى التحول من حرب غزة إلى الجبهة الشمالية، أي هرباً من عدم تحقيق أي هدف من أهدافهم المعلنة في القطاع. والثاني، هو أن يكون في بالهم التحضير لعملية عسكرية استباقية في جنوب لبنان، كنوع من ردع مسبق على الجبهة الشمالية تحت شعار "كي لا يتكرر 7 تشرين"، وعلى قاعدة الاستفادة من وضع دولي داعم لها، وفي ظل وجود الأسطول الأميركي، من أجل توجيه ضربة تضعف قدرات حزب الله، وبتبريرات من نوع "سلامة الجليل" أو كي يتمكن السكان الذين خرجوا من مستوطناتهم أن يعودوا إليها.
سياسة لبنانية
قد يكون من البديهيات الإسرائيلية التفكير بهذه الطريقة. وبالتأكيد، لا بد أن حزب الله يعمل على التفكير بكل هذه السيناريوهات واحتمالاتها، وهو يتحضر لها عسكرياً. ولكن أيضاً هناك بحث سياسي في توفير خطة سياسية متكاملة من قبل لبنان الرسمي، بتفويض من قبل الحزب لمنع أي سيناريو اسرائيلي من هذا النوع. وهذا ما يمكن إقرانه في جولة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي العربية، واتصالاته الدولية، ولا سيما مع وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن. وحسب المعلومات فإن اللقاء كان إيجابياً. إذ أن الأميركيين شددوا على رفض توسيع الحرب، وضرورة الحفاظ على استقرار لبنان. وهذا ما أكده ميقاتي من خلال الإلتزام بالقرار 1701.
يمكن أن تنطوي الخطة مستقبلاً أيضاً، على العودة إلى التفاوض في سبيل "إظهار" الحدود وتثبيتها. وبالتالي، تجديد التفاوض حولها في المرحلة المقبلة بشكل يضمن الاستقرار، ربطاً بالعودة إلى قواعدة الاشتباك التي كان معمولاً بها قبل 7 تشرين والالتزام بها. ويمكن لنجاح كل هذه المساعي والمبادرات أن يتيح أنواعاً متعددة من الضمانات الغربية والعربية لمنع حصول أي اعتداء اسرائيلي جديد. وذلك من خلال توفير مظلة حماية للبنان.
من بين ما يراهن عليه لبنان أيضاً، هو نجاح المساعي العربية الضاغطة على واشنطن وتل أبيب كذلك، في سبيل الوصول إلى وقف لإطلاق النار، وقد يكون ذلك متدرجاً من هدنة إنسانية، إلى إطلاق سراح عدد من الرهائن مقابل تحرير أسرى، على أن تنطلق بعدها المفاوضات السياسية الحقيقية والجدية، للبحث عن حل سيكون بحاجة إلى وقت طويل.