Advertise here

الإحتلال الإسرائيلي ووجوب ملاحقته أمام المحكمة الجنائية الدولية

28 تشرين الأول 2023 14:05:58 - آخر تحديث: 21 تشرين الثاني 2023 16:08:04

أَثبتتْ الحروب الدولية التي عصفت بالعالم مدى حاجة المجتمع الدولي الى إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة، لمنع افلات الكثير من الاعتداءات الوحشية والجرائم ضد الانسانية من العقاب.

وقد بذل المجتمع الدولي جهوداً جبّارة في هذا الإطار لإقامة نظام جنائي فعّال يُطبّق على مستوى دولي، بهدف ملاحقة مرتكبي الجرائم التي تستهدف انتهاك حقوق الإنسان على مستوى عالٍ من الجسامة والخطورة. إذ أنَّ غياب جهاز قضائي دولي، سيؤدّي حكماً الى عدم وجود رادع لدى المجرمين، مما سيدفعهم لارتكاب الكثير من تلك الجرائم وبشكل متكرّر وعلى نطاقٍ كبيرٍ دون خوف من حساب أو عقاب l’impunité.
ونتيجةً لتلك الجهود، اُنشئتْ المحكمة الجنائية الدولية La Cour Pénale Internationale CIP، التي تُمثّل نظام العدالة الجنائية على مستوى الدول، بحيث تُعتبر المحكمة الجنائية الدولية أول محكمة جنائية دولية دائمة، أُسِّست عام 1998 بناءً على معاهدة، لمحاسبة مرتكبي أكثر الجرائم خطورةً على المستوى العالمي، مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة الجماعية (تعريف وشرح هذه الجرائم في الصفحات اللاحقة).
وقد شكّل انضمام فلسطين الى المحكمة الجنائية الدولية في الاول من كانون الثاني عام 2015، حدثاً هامّاً في تاريخ العدالة الجنائية الدولية، وذلك ليس على صعيد العلاقات الشرق الاوسطية فحسب، بل على صعيد المجتمع الدولي ككل.
وفي ظل ما تشهده دولة فلسطين حالياً من ارتكاباتٍ واعتداءاتٍ وتجاوزاتٍ لأبسط معايير حقوق الانسان والقانون الدولي ومواثيق الأمم المتّحدّة على يد العدوّ الإسرائيلي، يغدو تقديم شكوى بحق هذا الأخير أمام المحكمة الجنائية الدولية أمراً بغاية الأهمية، بل واجباً أخلاقيّ، يُساهمُ  بإبراز الوجه الإجرامي للكيان الإسرائيلي، ويُساعد من أدنى شك على إنارة الرّأي العام الدّولي ويُسلّط الضوء على الانتهاكات التي يقوم بها (العدو الإسرائيلي) من أجل تصفية القضية الفلسطينية المحقّة والقضاء على شعبٍ أعزل، ضارباً بعرض الحائط  حقوق الانسان والاتفاقيات الدولية.
ملاحقة الكيان الإسرائيلي جنائياً، سيُشكّل خطوة متقدّمة في طريق تفعيل مبدأ عدم الإفلات من العقاب، وسيًحمّل قادة هذا الكيان المسؤولية الدولية والأخلاقية عن انتهاكاتهم بحق الدّولة الفلسطينية وشعبها وحكومتها.
تقديم شكوى للمحكمة الجنائية الدولية، سيفرض عزلةً متزايدةً على العدو الاسرائيلي كاحتلال استيطاني وكيان قائم على التمييز العنصري.
المحكمة الجنائية الدولية والقضاء الدّولي عموماً مدعوان اليوم وبشكلٍ فوري لوضع حد للعدوان الإسرائيلي على فلسطين، وملاحقة القادة الإسرائيليين على اعتبارهم مجرمي حرب Criminels de guerre وتقديمهم للمحاكمة. وهذا ما سيُساهم بتأمين حماية دولية أفضل للشعب الفلسطيني وكل الشّعوب المقهورة عبر العالم.
وفي هذا الإطار، نرى من المفيد تعريف الجرائم التي تختصُّ المحكمة الجنائية الدّولية للنظر بها، ونضع الرّاي العام الدّولي والعربي أمام مسؤولياته، خاصةً عندما يتحقّقون من انطباق جميع الجرائم الدّولية على أفعال الاحتلال الاسرائيلي.
* الإبادة الجماعية Génocide:
 
يُقصدُ بها أيّ فعلٍ من الأفعال التي تُرتكبُ بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، كلياً أو جزئياً، ومنها: قتل أفراد الجماعة - الحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة - اخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية بقصد إهلاكها الفعلي كليّاً أو جزئياً - فرض تدابير تستهدف منع الانجاب داخل الجماعة - نقل أطفال الجماعة عنوةً الى جماعة أخرى.
 
الجرائم ضد الانسانية Crimes contre l’humanité :

ويُقصد بها الجرائم التي تُرتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجّه ضد أيّة مجموعةٍ من السُّكان المدنيين، مع العلم المسبق بوجودهم ومنها: القتل العمد - الإبادة - الاسترقاق - إبعاد السّكان أو النقل القسري لهم - السجن أو الحرمان الشّديد من الحرية البدنية؛ بما يُخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي - التعذيب - الاغتصاب أو الاستعباد الجنسي أو الإكراه على البغاء أو الحمل القسري أو التعقيم القسري، أو أيّ شكلٍ خطيرٍ آخر من أشكال العنف الجنسي - اضطهاد جماعة لأسبابٍ سياسيةٍ أو عرقيةٍ أو قوميةٍ أو إثنيةٍ أو ثقافيةٍ أو دينيةٍ أو متعلّقة بنوع الجنس أو لأسباب أخري لا يجيزها القانون الدولي - الاختفاء القسري للأشخاص.
 
*جرائم الحرب Crimes de guerre:

ويقصد بها الانتهاكات المُسلحة الجسيمة لاتفاقية جنيف للعام 1949، أو أي فعل ضد الأشخاص أو الممتلكات، ومنها: القتل العمد - التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية بما فيها إجراء تجارب بيولوجية - تعمّد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة - إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها من دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تُبرّر ذلك - إرغام أي أسير حرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية على الخدمة في صفوف قوات دولة معادية، أو تعمُّد حرمانه من حق محاكمة عادلة ونظامية - الإبعاد أو النقل غير المشروعين أو الحبس غير المشروع - أخذ رهائن - الانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة وفقاً للقانون الدولي، مثل الهجوم المسلح على سكان مدنيين أو مواقع مدنية أو دينية أو علمية أو خيرية، أو تدميرها، أو قتل أو جرح مقاتل استسلم مختاراً، أو إساءة استعمال علم الهدنة أو علم العدو أو شاراته وأزيائه العسكرية أو علم الأمم المتحدة أو شاراتها أو أزيائها العسكرية، أو نقل سكان دولة الاحتلال المدنيين الى الأرض المحتلة وإبعاد سكان تلك الأرض أو تشويههم أو إجراء تجارب عليهم أو إهانة كرامتهم أو اغتصابهم أو تجويعهم أو تجنيد أطفالهم في القوات المسلحة، أو استخدام السموم أو الأسلحة المسممة أو الغازات أو غيرها.
 
*جريمة العدوان Crime d’aggression:

أما بالنسبة لجريمة العدوان، فلم يتم تحديد تعريف لها أو المقصود بها في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، لكنه نصّ في المادة الخامسة منه على شمول هذه الجريمة ضمن اختصاصها، عندما تتّفق الدول الأطراف على تحديد معناها وشروطها التي يجب أن تكون متوافقة مع ميثاق الأمم المتحدة.
بناءً على كلِّ ما تقدّم، يُمكننا الجزم بأنّ اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ينطبق على الوضع القائم في غزة وفلسطين عموماً، من حيث موضوع الجرائم التي تم ارتكابها من قبل العدو الإسرائيلي وأفعاله وتجاوزاته المخالف للأعراف والقوانين الدولية والأخلاقية.
 
وأخيراً، لتمكين المحكمة الجنائية الدولية من وضع يدها على الانتهاكات والارتكابات أعلاه، لا بّدّ من اللجوء الى المدّعي العام لدى هذه المحكمة من أجل فتح تحقيقٍ من تلقاء نفسه والبدء بإجراءات محاكمة قادة العدو الإسرائيلي المدنيين والعسكريين، ذلك طبقاً للمادة 15 من النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
 

*المحامي الدكتور سلام عبد الصمد
أٌستاذ محاضر في الجامعات والمعاهد الحقوقية ومؤسّس ومدير SALAMAS International Law