جنبلاط يستعدّ للأسوأ ولمنع إعطاء إسرائيل الذريعة

27 تشرين الأول 2023 12:08:10

يعيش رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي سابقاً وليد جنبلاط حالة من القلق في تعاطيه مع أكثر من موضوع في الأيام العادية، فكيف إن كان يستيقظ وينام في الأسبوعين الأخيرين على هذا الوابل من الأخبار والمحطات الدموية في غزة مع خشيته من تمدد العدوان الإسرائيلي نحو الجنوب ومن ثم الى المناطق اللبنانية الأخرى في تكرار لمشهد تموز 2006 وبدرجات وقوة تدميرية أكبر.
لا يقلل الحزب التقدمي الاشتراكي من حلقات الاعتداءات والمجازر الإسرائيلية في غزة وإبادة أهلها. ومن غير المستغرب استعجال جنبلاط وإعلان وقوفه الى جانب الفلسطينيين وانتقاده الشديد للمسؤولين في الغرب على هذا السكوت ووقوفهم الى جانب الإسرائيلي. وينبع التزامه بالقضية الفلسطينية من تراث أدبيات حزبه والنهج الذي رسمه مؤسّسه كمال جنبلاط. ومن هنا يستعد للأسوأ ليكون على الجهوزية المطلوبة لأنه يتحسّب جيداً لكل الرسائل التي وصلته فضلاً عن قراءاته الشخصية لمسار تطور الأمور وفهمه الجيد للعقلين الغربي والإسرائيلي وتلاقيهما في هذا التوقيت حيث لن يقصّرا إذا استطاعا القضاء على حركة "حماس" نتيجة وجود كل هذا الحشد الدولي ضد "محور المقاومة" الذي يشكل "حزب الله" عموده الفقري. وبدأت الدوائر الغربية تفكر منذ اليوم الأول لواقعة المستوطنات في السابع من الجاري إذا ما نجح مخططها الذي يواجه مقاومة ومعارضة شديدتين، في رسم شرق أوسط جديد يكون هدفه أبعد من اجتثاث المقاومتين الفلسطينية واللبنانية بحسب مرجع كبير حيث لن يُكتفى عند حدود غزة وجنوب لبنان بل ستُوجّه رسائل الى كل دول المنطقة وخصوصاً مصر والأردن وعدم العودة ولو بالحديث عن عودة اللاجئين الفلسطينيين الى أرضهم والتسليم ببقاء النازحين السوريين خارج بلدهم. ولن تسلم السعودية رغم كل الاحتياطات التي يتخذها وليّ عهدها محمد بن سلمان من شظايا هذه التبدلات، وصولاً الى إيران وروسيا والصين وكل هذا الدول التي لا تلتقي مع سياسات واشنطن والعواصم الغربية الحليفة لها أو بالأحرى التي تعمل تحت المظلة الأميركية.
ومن هنا ولكل هذه الأسباب لم يتأخر جنبلاط في التواصل مع "حزب الله" المعني الأول في لبنان بمقاربة تطوّرات غزة وإمكانية تمدّدها الى لبنان، ولم يفوّت الرجل الإشارة الى أن الخشية من هذا الأمر تأتي من إسرائيل التي يعيش قادتها وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو حالة من الجنون لرد الاعتبار لصورة جيشهم ومحاولته إعادة الهيبة الى معنويات جنوده التي تكسّرت على أيدي "حماس" في مستوطنات غلاف غزة مع التوقف عند هبّة البيت الأبيض في أميركا لإنقاذ إسرائيل.
وفي لحظة يقرأ فيها جنبلاط هذا الحدث على الأراضي الفلسطينية المحتلة سارع الى فتح قنوات التواصل غير المقطوعة في الأصل مع قيادة "حزب الله" ودعوته الى ممارسة سياسة حذرة وعدم اتخاذ قرارات خاطئة منعاً من استغلال إسرائيل لها حيث لا شيء يمنعها من تنفيذ عدوان ضد لبنان مع تركيزه على إرساء الحد الأدنى من عناصر الوحدة الوطنية بين الأفرقاء. ودفعه هذا الأمر الى الاتصال بالنائب نديم الجميّل لتهنئته على تغريدة لشقيقته يمنى لاقت ترحيباً عند عدد لا بأس به من اللبنانيين لأنها تصدر من ابنة الرئيس بشير الجميّل.
وأمام كل هذا الكمّ من التحذيرات المحلية والخارجية للبنان يلمس الكوادر المكلفون في التقدمي بالتواصل مع "حزب الله" أنه يتعاطى بـ"عقلانية كبيرة" مع التحسب جيداً لأي ردة فعل عسكرية كبيرة من إسرائيل لن تمر بهدوء في حسابات المقاومة التي ستلجأ الى الرد بحسب مقتضيات الأمور العسكرية على الأرض.
وعلى ضوء ما يفعله ويحذر منه الحزب التقدمي من خلال اتصالاته مع الجهات المعنية في الداخل والخارج وخصوصاً مع "حزب الله" لم يُسمع منه حتى الآن إلا كل إيجابية ولو لم يعط السيد حسن نصرالله أجوبة نهائية لأي جهة بناءً على تطوّر ردات الفعل العسكرية من طرف إسرائيل. ويرى التقدمي أن "اللعبة حتى الآن ما زالت مضبوطة" في الجنوب. وفي حال تفلتها ولا سيما من جهة تل أبيب لا مفرّ عندها أمام اللبنانيين إلا الوقوف في صف واحد مع التوقف عند حجم كل الأساطيل الغربية التي حضرت الى البحر المتوسط ومحيط المنطقة. وعلى ضوء كل هذه التحديات اتخذ جنبلاط وأعضاء حزبه جملة من الإجراءات والاحتياطات إذا ما توسّعت المواجهات ولم تعد محصورة على الحدود في الجنوب ونزح أهله من بيوتهم حيث سيتوجهون الى بلدات الجبل ومناطق أخرى. ولكل هذه الأسباب جرى استنفار طاقات التقدمي لاستضافة الجنوبيين من كل مكوّناتهم الطائفية.
وفي اتصال لـ"النهار" مع النائب هادي أبو الحسن يقول إن من الضروري والواجب الوطني في ظل كل هذه التحديات والتهديدات الإسرائيلية أن يجتمع الأفرقاء في لبنان، ويدعو الى أبعد من ذلك الى توجه الكتل النيابية الى انتخاب رئيس جامع للجمهورية وتشكيل حكومة تكون على استعدد لمواجهة كل هذه الأزمات. والمناخ العام في البلد لا يسمح لأي جهة بالدخول في أي مزايدات لأن لا شيء يتقدم على الوحدة الوطنية في لحظة جنون إسرائيل والاحتضان الذي تتلقاه من العالم.