Advertise here

تطويق جنبلاط أبعد من صراع على حصص... فابحثوا عن دور وموقع الدروز

29 حزيران 2019 11:05:00 - آخر تحديث: 29 حزيران 2019 13:11:05

قيل سابقاً، إنه لو لم يكن للدروز زعيمٌ كوليد جنبلاط، لكان مصيرهم كمصير الأكراد، أو الأزديين، وكانوا ضائعين مشتّتين على ناصيات صراع الهويات، وهوامش الجبال، وفقدان الانتماء للأوطان. حمى وليد جنبلاط بقدرته وحنكته الدروز في حقبٍ عصيبة جداً. حروب كثيرة مرّت على الدروز نجحوا خلالها في الحفاظ على وجودهم بثبات. وخاصة في التاريخ الحديث، في الحرب الأهلية، وما ارتبط بها من صراعات دولية وإقليمية، وصولاً إلى الصراع الذي تفجّر قبل سنوات، واتخذ طابعاً طائفياً، ومذهبياً، وقومياً، وعرقياً.

مما لا شك فيه أن أرضية المجتمعات مهيأة لهذا النوع من الحروب الداخلية. ويأتي الاقتتال كترجمة لصراعات سياسية تتداخل فيها عوامل محلية وأخرى خارجية. ولكن تلك الحروب تتغذى من منابع أوسع وأشمل ليس بعيداً عنها صراع الحضارات. ذلك الصراع الذي ذابت فيه حدود الدول، وظهرت فيه عمليات التطهير الجغرافي والديمغرافي بشكل واضح وجليّ.

بقي وليد جنبلاط على حنكته، الحريص على بقاء الدروز والحفاظ عليهم. وهو أكثر العالمين بما يحضّر لهم، من دروز فلسطين إلى دروز سوريا، حيث تحاول قوى متعددة استقطابهم إلى جانبها، كحال الضغط الإسرائيلي لإلزامهم بالالتحاق بالخدمة الإلزامية. أو كوضع النظام السوري مع السويداء، والمحاولات العديدة لتطويعها، وجرّ شبابها إلى الخدمة العسكرية، والغرق في أتون الحرب السورية ضد أشقائهم السوريين، وذلك على قاعدة الفرز التي يتّبعها النظام السوري، كما يتّبعها العدو الإسرائيلي.

وقف وليد جنبلاط رافضاً منطق الفرز هذا. وهذا ما أدى إلى انتقال الضغط والمعركة ضد الدروز في لبنان الذين يمثّلهم وليد جنبلاط بمواقفه الوطنية والاستراتيجية. لذلك هو يتعرّض لأشرس الحملات السياسية والضغوط والحصار بعد الفشل في تطويقه. محاولة تهميش دور وليد جنبلاط في السياسة اللبنانية ليست تفصيلاً، وهي أكبر بكثير، وأبعد بكثير من مجرد صراع على الحصص والمكاسب داخل بنية النظام الطائفي اللبناني. ولذلك الحاجة اليوم تبقى في الحفاظ على الدروز، ومن يهاجم وليد جنبلاط يهدف إلى عدم الحفاظ على كيانيتهم، وحتّى على خصوصيتهم الدينية. 

وبنظرة إلى ما هو أوسع من ذلك، فهل يمكن لأحد أن يجيب على سؤال وهو إذا ما كان العلويون في سوريا، وعلى الرغم من قوة النظام، قد تمكنوا من الحفاظ على خصوصيتهم، أم أنهم أصبحوا مستلحقين بإيران؟ بالطبع عمليات التشيّع التي تحصل في سوريا، بالإضافة إلى احتساب العلويين كفرعٍ من الشيعة، وربطاً بعملية التهجير الممنهجة التي تعرّض لها السنّة من مناطق أساسية، لن تنفصل عن محاولات تطويع الدروز. وهذه المشكلة في منطق صراع الحضارات، تنطلق من مبدأ ضرورة انعدام وجود أي خصوصية دينية لدى أي جماعة في هذا البحر المتلاطم الذي يراد له أن ينقسم على أساس مذهبي بين السنّة والشيعة، أو على أسسٍ قومية.

 ولذلك، هناك من ينصب للدروز الكثير من الفخاخ، لاستعادتهم ووضعهم في خانة المحسوبين على الطائفة الشيعية سياسياً، خاصة وأن تلك النظرة تعتبر أن الدروز يتحدرون من الأئمة، وتحديداً في ظل الدولة الفاطمية. بينما من غير المسموح في ظل الصراع المفروض، أن تبقى هناك توجهات دينية مستقّلة نحو الاثني عشرية. وهذا ما حصل مع العلويين في سوريا الذين أصبحوا يُحسبون جميعاً على إيران، وأيضاً ما يحصل مع الزيديين في اليمن، أي الحوثيين، الذين أيضاً استردتهم إيران تحت عباءتها الاثني عشرية. وهذا أيضاً ما تكثر المساعي لتحقيقه مع الدروز، وذلك بالاستناد إلى تحالفات مع شخصيات تحاول أن تصنع لنفسها زعامات داخل البيئة الدرزية، وتعمل على تعزيز الشرخ بالإستناد إلى بقايا مساعدات من هنا أو من هناك، وهي كلها ستؤدي إلى تدمير الخصوصية الدرزية. إذا ما كانت مشكلتهم مع وليد جنبلاط سابقاً في أنه لم ينضوِ تحت حلف الأقليات، فإن مشكلتهم معه اليوم هي أنه يريد أن يحافظ على الخصوصية الدرزية بعروبتها، وعمقها التاريخي العربي، وذلك بخلاف الآخرين الذين انسلخوا عن عروبتهم لتلبية طموحات تلك المشاريع. مشكلة وليد جنبلاط معهم أنها أبعد من لبنان، وربما قد بدأت يوم شدّد على التمسك بالعروبة، وأعلن افتتاح مسجد الأمير شكيب ارسلان في المختارة.