يسعى الأفراد والمؤسّسات إلى الاستثمار الأفضل، فتختلف توظيفاتهم بحسب ما يرسمونه لأنفسهم من أهداف؛ وبهدف تسيير عجلة أعمالهم يلجأون إلى الاستئجار أو إلى الشراء وذلك لاعتبارات متعدّدة.
وقد يكون الاستئجار مفيدًا في غياب القدرة على الشراء، أو في حال توظيف ثمن الشراء في إنتاج أفضل، كذلك قد يُفضَّل الاستئجار في حال الحاجة إلى تغيير المُستأجَر بعد وقت غير طويل.
والاستئجار قد يكون في المعدّات كما حصل في قضيّة استئجار الـ”ميدل إيست” طائرات من سنغافورة بشروط مُجحفة أوقعت بلبلة أدّت إلى استقالة مجلس إدارة الشركة. وقد يكون في العقارات، وإليك تطوّر الكلفة الّتي تدفعها الدولة اللّبنانيّة ثمنًا لاستئجار عقارات لوزاراتها وإداراتها الحكوميّة من 68 مليار ليرة في العام 2005 إلى 98 مليارًا في الـ 2015 وصولًا إلى 114 مليارا في العام 2017، وهي مازالت في حركة صاعدة، علمًا أنّ هذه الأرقام لا تتضمّن إيجار عقارات أخرى تُستعمل للمصلحة العامّة، مثل: بعض مباني البلديات، المجلس الاقتصادي والاجتماعي، مؤسسة المحفوظات الوطنية، المشروع الأخضر، مجلس الجنوب، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، المعهد الوطني للإدارة، المؤسسة العامة للمنطقة الاقتصادية الخاصة في طرابلس، المركز التربوي للبحوث والإنماء وغيرها ما يُضاعف كلفة ايجارات المباني الحكوميّة والمؤسسّات العامّة. وفي ما يأتي تفصيل بعض هذه الأرقام كما قدّمه مشروع موازنة العام 2018:
• رئاسة مجلس الوزراء 370 مليون ليرة.
• ديوان المحاسبة 1,160 مليار ليرة.
• مجلس الخدمة المدنية 565 مليون ليرة.
• التفتيش المركزي 1,119 مليار ليرة.
• دوائر الافتاء 150 مليون ليرة.
• المحاكم الشرعية السنية 538 مليون ليرة.
• المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى 125 مليون ليرة.
• الافتاء الجعفري 65,5 مليون ليرة.
• المحاكم الشرعية الجعفرية 825 مليون ليرة.
• المحاكم المذهبية الدرزية 208 مليون ليرة.
• المجلس الاسلامي العلوي 40,8 مليون ليرة.
• الهيئة العليا للتأديب 31 مليون ليرة.
• ادارة الاحصاء المركزي 1,926 مليار ليرة.
• المديرية العامه لامن الدولة 700 مليون ليرة.
• المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز 232 مليون ليرة.
• نفقات وزير الدولة لشؤون التنمية الادارية مليار ليرة.
• المحاكم العدلية 644 مليون ليرة.
• مجلس شورى الدولة 1,1 مليار ليرة.
• الادارة المركزية - الشؤون الخارجية 15,8 مليار ليرة (مبنى الاسكوا)
• البعثات في الخارج- الشؤون الخارجية 25,1 مليار ليرة.
• المديرية العامة للمغتربين 549 مليون ليرة.
• الدوائر الادارية (المديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين) 224 مليون ليرة.
• قوى الأمن الداخلي و السجون 1,055 مليار ليرة.
• الأمن العام 1,790 مليار ليرة.
• المديرية العامة للأحوال الشخصية 450 مليون ليرة.
• محافظة جبل لبنان 36 مليون ليرة.
• محافظة الشمال 95 مليون ليرة.
• مديرية الماليه العامة 3,6 مليار ليرة.
• ادارة الجمارك 1,825 مليار ليرة.
• المديرية العامة للشوؤن العقارية 1,672 مليار ليرة.
• المديرية العامة للنقل البري و البحري 946 مليون ليرة.
• الجيش 10 مليارات ليرة.
• المديرية العامة للتربية - التعليم الثانوي العام للمرحلة الثانية 10 مليارات ليرة.
• الاقتصاد و التجارة 974 مليون ليرة.
• العمل 1,5 مليار ليرة.
• الاعلام 20 مليون ليرة.
• المديرية العامة للبيئة 820 مليون ليرة (ايجار مكاتب وزارة البيئة في مبنى اللعازارية وحده 317 الف دولار سنوياً).
• وزارة المهجرين 995 مليون ليرة.
• وزارة الصناعة 516 مليون ليرة.
• المديرية العامة للحبوب والشمندر السكري 1,258 مليار ليرة.
وفي حين يبدو بعض هذه الأرقام واقعيًّا، فبعضها لا يقبله منطق (إيجار مبنى الإسكوا سنوياً بمبلغ 15.8 مليار ليرة). ولا يليق بدولة معاصرة أن تدفع للإيجار مبلغًا تستطيع أن تُنجز البناء بقيمته في غضون سنوات قلائل، ولا سيّما أنّ الدولة اللّبنانيّة تملك في بيروت وحدها حوالى 235 عقارًا شاغرًا عدا ما تملكه في سائر المحافظات. وقد لحظت موازنة 2018 في المادة 15 منها، قانون تشييد أبنية أو شرائها بمبلغ يصل إلى 750 مليار ليرة، ولكنّ مكيول الواقع ظلّ شبه خالٍ من فول القرارات، فهل يكون السبب أنّ مالكي بعض هذه العقارات هم من النافذين؟
في الواقع تكشف فضيحة كلفة الإيجارات الباهظة عن غياب الرؤيا الرشيدة في إدارة أملاك الدوّلة اللبنانية. إلى حدّ دفع بإحدى الصحف اللبنانيّة إلى وصف الدولة اللّبنانيّة بـ "المستأجر الأكثر غباءً"؛ وإنّ نسبة ما تدفعه إلى وارداتها لا تدفعه دولة في العالم. فمتى يستقيل علي بابا وتتقاعد جماعته؟
وكيف يأخذون على الدكتور يحيى خميس (المؤمن بالفكر الاشتراكي) أن ينحاز إلى الشراء على حساب الاستئجار؟ وبإيمانه هذا كان يُطبّق القانون. أجل، إنّه لمن سخرية القدر أن يُطالَب بمحاكمة مَن يحتكم إلى القانون، وأن يُشَكَّك في من أثبت نجاحه عمليًّا في تعاونيّة الموظّفين مكننة وتخفيف إجراءات وسرعة إنجاز وزيادة تقديمات...، ويشهد له تاريخه بنظافة الكفّ وحُسن التخطيط. علمًا أنّ الشراء كان قانونيًّا لا تشوبه شائبة، سواء لناحية تقديم العروض أو لناحية موافقة سلطة الوصاية بعد الكشف على المبنى، والمقارنة بالتخمين الصادر عن وزارة الماليّة. ما صار الوقت ليُفسح في المجال لمن أثبتوا جدارتهم للعمل وبناء مؤسّساتنا؟ كما عهدناك وكما ستبقى! فلنردّ عليهم بمزيد من العمل والنجاح... ويجب ألّا تكون المحاكمة بالإعلام، وإنّ الحُكم لناظره قريب.
* نعيم عمار- "الأنباء"