معرض فرانكفورت للكتاب من أكبر المعارض العالمية، يستقطب دور نشر ومؤسسات ثقافية عالمية ويكرّم كتّاباً ومؤلفين بارزين يمنحون خلاله جوائز قيّمة. هذا العام كان مقرراً تكريم الروائية الفلسطينية "عدنية شبلي" عن روايتها "تفصيل ثانوي" حيث نالت جائزة "ليبراتور بريس". وهو عمل يركّز على حوادث حقيقية لعمليات اغتصاب وقتل ارتكبها جنود الاحتلال الاسرائيلي منذ عام 1949 على أرض فلسطين. وتمّ تنظيم حفل التكريم من قبل مجموعة "ليبرتوم" التي قرّرت هذه المرة "عدم المضي قدماً في حفل التكريم بسبب الحرب التي بدأتها" حماس ""!!.
القرار لاقى استهجاناً كبيراً ووقّع أكثر من 600 شخصية ثقافية وأدبية من ضمنهم كتّاب بارزون نالوا جائزة نوبل للآداب رسالة عبّرت عن رفضهم وامتعاضهم وجاء فيها: "... إنهم يغلقون المجال أمام الصوت الفلسطيني . معرض فرانكفورت باعتباره معرضاً دولياً كبيراً للكتاب يتحمل مسؤولية خلق مساحات للكتّاب الفلسطينيين لمشاركة أفكارهم ومشاعرهم وتأملاتهم بشأن الأدب خلال هذه الأزمات المريعة والقاسية وليس إغلاقها"، عدد كبير من الناشرين والوكلاء الأدبيين وقّع على الرسالة فيما انسحبت دور نشر من المعرض رفضاً للقرار ...
في دولة الاغتصاب والإرهاب اسرائيل اعتقل الإرهابيون لمدة ثلاثة ايام الفنانة دلال ابو آمنة، قيّدوا يديها ورجليها ووضعوها في سجن انفرادي وأضربت عن الطعام وهزل جسمها. لماذا ؟؟ لأنها تلبس الزيّ الفلسطيني التقليدي. وتشارك معها في جولاتها الفنية سيدات وشابات فلسطينيات يلبسنّ الزيّ ذاته، يقدّمن الأغاني الشعبية التراثية والأعمال الفنية التي تبرز الإبداع الفلسطيني. وبات لآمنة حضور كبير وهي تتميّز بهدوء وأخلاق عالية وتواضع . أطلقوا سراحها لاحقاً فقالت: "حاولوا تحريري من إنسانيتي وإسكات صوتي وإذلالي وكبّلوا يديّ وساقيّ لكنهم بهذا جعلوني أكثر شموخاً وعزة . سيبقى صوتي رسولاً للحب مدافعاً عن الحق في هذه الدنيا".
فنانون لبنانيون وعرب كثيرون عمّموا أغانيهم وقصائدهم وألحانهم التي تركّز تاريخياً على فلسطين وحق شعبها في الدفاع عن نفسه في وجه المجازر وعمليات الإبادة الجماعية التي تمارس بحقه وبعض الفنانين قدّم أعمالاً جديدة. ولطفي بوشناق التونسي تخلى عن لقب سفير النوايا الحسنة لدى الأمم المتحدة، احتجاجاً على "الصمت الرهيب من قبل هذه المنظمة تجاه ما يحدث في حق المدنيين الأبرياء الفلسطينيين" كما قال.
في تاريخ فلسطين ومقاومة شعبها الثقافية الفكرية الأدبية الشعرية الفنية الموسيقية أعمال وإبداعات وأسماء ورموز منتشرة عالمياً واسرائيل قتلت عدداً منهم، ولكن الأعمال لم تمح. اليوم ستكون أعمال استثنائية مهمة في توثيق ما يجري في السياق ذاته. الذاكرة الفلسطينية ستبقى حية. الحق الفلسطيني لن يموت. الإبداع الفلسطيني لن يموت. العقل الفلسطيني لن يتوقف عن الإنتاج والعطاء وفتح آفاق التفاعل الثقافي والأدبي على مستوى العالم.
الغرب اليوم باجراءاته ومواقفه وسياساته وقراراته يعادي العقل ، يهين الإنسانية والثقافة والصحافة والإعلام، وما جرى في فرانكفورت ويجري على يد الإرهابيين الاسرائيليين معركة ضد العقل، لإغلاقه، لمحاصرته وتقييده. هذه محاولة بائسة فاشلة مستحيلة ضد التكوين البشري من أساسه ولا تنجح مع الفلسطينيين .إنه السقوط الثقافي الغربي أيضاً.
تحية لكل من رفض قرار معرض فرانكفورت وتضامن مع عدنية شبلي ودلال أبو آمنة ومع الكتّاب والمثقفين والإعلاميين الفلسطينيين لاسيما الشهداء منهم والكتّاب والمثقفين العرب والعالميين الذين انخرطوا في مواجهة معركة إغلاق العقل والصوت الفلسطينيين.
لن تقوى حاملات طائرات أميركا وطائرات ودبابات وجرافات ومدافع وأدوات القتل الاسرائيلي عن قمع الصوت الفلسطيني وقتل الذاكرة الفلسطينية وإرادة الحياة والانتصار عند شعب الجبّارين.
ما يجري في الغرب سقوط ووصمات عار متتالية في سجل انتهاك القيم واحتقار العقل والرغبة في الإقامة في الكهوف الفكرية وقواعد الجهل المحصّنة!!.