من 23 أكتوبر 1983 إلى 23 أكتوبر 2023

17 تشرين الأول 2023 18:13:21

في أعقاب الغزو الاسرائيلي للبنان في العام 1982، ونزول القوات الأميركية وأخرى فرنسية على الشواطئ اللبنانية تحت مسمى قوات حفظ السلام، عملت هذه القوات وخاصة الأميركية منها على مساعدة القوات المسلحة التابعة للأحزاب اليمينية حينها التي تجمعت تحت مسمى الجبهة اللبنانية، وقد عاثت حاملة الطائرات نيوجرسي قصفاً مدمراً في قرى الجبل في محاولة لتطويع القوى العسكرية للحزب التقدمي الاشتراكي وحلفائه.

لم تكن هي المرة الأولى التي نزلت فيها قوات المارينز إلى الشواطئ اللبنانية، فقد سبق لها في العام 1958 أن تمركزت جنوب مدينة بيروت لمساعدة الرئيس كميل شمعون في قمع الثورة حينها التي قامت للمحافظة على الدستور، ورحلت خائبة حيث لم تتمكن من حمايته وتأمين تجديد ولايته.

في 23 تشرين الأول (أكتوبر) 1983 هاجمت شاحنتان مفخختان ما سمي حينها ب"قوات حفظ السلام". ضربت الشاحنة الأولى مبنى كان مخصّصاً كثكنة للكتيبة الأولى من مشاة البحرية الثامنة، وأسفر عن مقتل 241 من العناصر الأميركية وإصابة 128 آخرين، عاد وتوفي منهم 13 جندياً. الشاحنة الثانية هاجمت القوات المظلية الفرنسية التي كانت متمركزة في مبنى دراكار، وأسفر الهجوم عن مقتل 55 مظلياً وإصابة 15 آخرين. مُنيت وقتها القوات الغربية بخسائر فادحة لم تتحمل بعدها البقاء في لبنان، فانسحبت مجررة هزيمتها وخيبتها. وقد تبنّت العملية حينها جماعة تسمى "الجهاد الإسلامي"، أما وفقاً لوزير الدفاع الأميركي آنذاك كاسبار واينبرغر، فليس هناك معرفة بمن نفذ التفجير. وقد ذهبت بعض التحليلات الى الكلام عن دور لحزب الله وإيران.

عشية 23 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، وعلى أثر عملية 7 أكتوبر التي قامت بها حركة حماس وانبرت الولايات المتحدة وعدة دول أوروبية لدعم اسرائيل، وأرسلت الولايات المتحدة قوات بحرية إلى المتوسط، تحاول إسرائيل توريط حزب الله بحرب معها للاستفادة من تلك القوات ومن مواقف قادة أوروبا. حزب الله الذي أثبت أنه لا زال يمتلك القدرة على المحافظة على قواعد الاشتباك وعلى توازن الرعب الذي أرساه، كما ويحسن تمرير الرسائل بالنار، يتعامل مع الوضع على الجبهة الجنوبية ضمن قواعد الاشتباك المعمول بها بموجب القرار الدولي 1701 الصادر إثر حرب تموز 2006. لكن هل عملياته على المواقع العسكرية الاسرائيلية، والتي طاولت أحياناً المستوطنات الإسرائيلية، تنطوي على هدف إشغال الجيش الاسرائيلي لتخفيف الضغط العسكري عن قطاع غزة، الذي تعلن اسرائيل انها تنوي اجتياحه بهدف القضاء على حماس التي كسرت هيبة الجيش الاسرائيلي.

والسؤال الأبرز اليوم، هل إذا وقعت الحرب بين حزب الله والدولة الصهيونية، سيتجرأ الجندي الأميركي أن يطأ بقدمه أرض المعركة دون أن يحاول حرق الأرض بمن عليها ويرتكب المجازر بحق العجز والنساء والأطفال؟

المعلومات تفيد أن التصعيد القائم سيؤدي إلى أحد أمرين، إما إعلان إسرائيل قبولها حل الدولتين، وإما سيكون طوفان الأقصى جولة أولى من جولات لن يتراجع الفلسطينيون عن خوضها على طريق تحرير بلادهم كليا من الاحتلال الاسرائيلي، أو على الأقل تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة التي لم تنفذ منذ العام 1948 عندما قامت دولة اسرائيل حتى الآن. 

وبخلاف العادة، لم يصدر عن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله أي موقف واضح وحاسم، فهل سيبقى محتفظاً بعنصر المفاجأة؟ أم ينتظر حتى يتقرر دخول الحزب في معركة برية مع اسرائيل؟ أم أنه بانتظار تسوية ما تمنع محاولة اسرائيل اقتحام قطاع غزة الذي قد يلحق بقواتها هزيمة أكبر من عملية طوفان الأقصى؟
وهل سيختار حزب الله توقيت له رمزيته وتاريخه في الصراع مع الأميركيين وحلفائهم لتلقين اسرائيل درساً غير آبه بالغطرسة الأميركية وأساطيلها؟

(*) د. رانيه غانم