يسعى حاكم مصرف لبنان بالإنابة، وسيم منصوري، إلى إيجاد حلٍ لأزمة الودائع وسط غياب الدعم من الحكومة، وانسحابها من مسؤوليتها تجاه استعادة أموال المودعين، إذ أنّ انهيار العملة الوطنية وتلاعُب أسعار الصرف أدّيا إلى تذويب قيمة الإيداعات خصوصاً لصغار المودعين.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ استمرار الحكومة في تثبيت سعر صرف الدولار الرسمي عند 1,507 ليرة، وسط تحليق سعر الصرف في السوق السوداء، قد أدّى إلى تغيّر قيمة القرض عند الاقتراض وقيمته عند السداد، وهذا خلق باباً آخر للمضاربة والاستفادة من هذه الفروقات وسط الغياب التام للرقابة.
وفي هذا السياق، يسعى منصوري من خلال وعوده الدائمة للوصول إلى قرار يسمح للمواطنين الاقتراض بالدولار من المصارف. فهل يمكن له أن ينجح في تحقيق كل هذه الوعود، والتمكّن من استعادة أموال المودعين؟
يعتبر في هذا الإطار أستاذ الاقتصاد والأسواق المالية العالمية، الدكتور جهاد الحكيّم، في حديثٍ عبر "الأنباء" أنّ، "منصوري حاكم مصرف بالإنابة، ويعلم أنّه ريثما يتم انتخاب رئيس جمهورية جديد، وبالتالي تعيين حاكم مصرف مركزي أصيل، فلن يعود له أي كلمة، والوعود التي يعطيها اليوم لن تكون لها بعد أي قيمة كما كان الوضع في السابق. فالوعود لطالما كانت واهية، خصوصاً وأنّ السلطة السياسية المتحكّمة بالقرارات كافة لم تتغيّر، وبالتالي، حتى وإن كان منصوري صادقاً بنيّته فمن الصعب جداً أن يتمكن من إصلاح أي شيء في النظام المصرفي، ولطالما سمعنا بوعود كثيرة في القطاع المصرفي. وبالرغم من أنّ تعيينات كثيرة أُقرّت وقد تشكّل مجلس المركزي بنواب حاكم جدد مع خطة جديدة، إلّا أنّه بات جزءاً لا يتجزأ من إدارة الأزمة منذ 2020 حتى اليوم. وبالتالي منذ أكثر من ثلاث سنوات لغاية اليوم نحن نرى الممارسات التي زادت من الانهيار الحاصل وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى انعدام الثقة بين المواطنين والمسؤولين عن القطاع المصرفي تحديداً".
وبحسب الحكيّم، الذي حذّر ونصح اللبنانيين منذ العام 2018 بتنويع محفظتهم المالية في لبنان وخارجه ليكونوا بمنأى عن هذا الانهيار، كما طالب أيضاً بفرض كابيتال كونترول منذ أواخر 2018. وقد أشار أيضاً إلى أنّ الحل الأول بالنسبة له، والذي اعتبر أنّه كان دائماً الخطوة الأولى للخروج من الأزمة منذ 2019، هو "تشكيل حكومة مستقلة مكوّنة من خبراء موثوق بهم يحظون بثقة المجتمع الدولي والمغتربين والمواطنين في لبنان، وبالتالي تتمكّن هذه الحكومة من البدء بتنفيذ مشاريع تعزّز الاقتصاد وخصخصة قطاعات مختلفة مع الاحتفاظ بالملكية للدولة والرقابة عليها، مما يشجع المستثمرين الأجانب على ضخ الاستثمارات والمشاركة في تمويل هذه المشاريع، مما يسهم في تقديم التكنولوجيا والمعرفة اللّازمة للبنان".
أما الحل الثاني فهو يكمن في، "فرض ضريبة مع مفعول رجعي على الأفراد الذين استفادوا بشكل كبير من الاقتصاد الريعي، ومن الربا الفاحش، ويمكن أن تكون هذه الضريبة، على سبيل المثال، 60% من الفوائد المحققة. بمعنى آخر، إذا كان شخصٌ ما قد أودع 100 مليون دولار، وزادت ثروته إلى 200 مليون دولار خلال 3 سنوات، فيجب عليه دفع 60 مليون دولار كضريبة على الفوائد الزائدة.
هذا الحل يسمح بتحصيل الضرائب من الأفراد الذين استفادوا بشكل كبير، إلى جانب الذين حوّلوا أموالاً إلى الخارج قبل وبعد الانهيار، بدون المساس بأموال الأفراد الذين لم يشاركوا في الاقتصاد الريعي، والشركات التي توظف مئات اللبنانيين ولم تستفِد من الاقتصاد الريعي، وبذلك نستطيع التعويض بمفعول رجعي على من اضطّر أن يسحب من أمواله بغير قيمتها الأساسية".
وقد أكّد الحكيّم أنّ ما حصل هو آلية تضليل لصغار المودعين أدّت إلى تذويب أموالهم طوعياً، ومن جهة أخرى، طريقة مكّنت أصحاب النفوذ من الاستفادة من الأزمة وزيادة ثرواتهم، خاصةً وأنّ خلق عدّة أسعار صرف اصطناعية عن قصد ساهم أيضاً باستفادة قلّة قليلة من هذه الفروقات في أسعار الصرف، وتحديد الخاسرين وهم الشعب اللبناني، والرابحين وهم أصحاب النفوذ من هذه الأسعار.
وعن محاولة توحيد سعر الصرف، يشير الحكيّم إلى أنّ توقيت توحيد سعر الصرف وإعادة هيكلة المصارف يلعب دوراً أكثر من مهم، فإنّ هذا الأمر إذا تم إقراره اليوم، أي بعد أن تمّ تذويب الودائع وخسر صغار المودعين جنى عمرهم وخسارة بين 80 وال 90% من أموالهم، لن يكون بالأهمية والتأثير ذاته الذي كان من الممكن أن يحصل لو تمّ اعتماد هذه الخطوات منذ عام 2019، أي قبل وصول سعر صرف الدولار إلى ال 90 ألفاً، ووقوع الانهيار وتحميل المواطنين كل هذه الخسائر.
في النهاية، يبقى التحدي كبيراً ومعقداً لحاكم مصرف لبنان بالإنابة، منصوري، الذي قد تطول فترة تولّيه الحكم في ظل عدم توصّل الأزمة الرئاسية إلى حل. أمّا السؤال الأبرز الذي قد يكون الدليل نحو شكل المستقبل الذي سيعيشه لبنان، فهو هل سيتمكن منصوري من الحفاظ على استقرار الوضع المالي والاقتصادي في لبنان مع تأزم الوضع الرئاسي الحالي؟
الجواب يبقى رهن الأيام المقبلة!