Advertise here

سلوك مرضيّ

25 حزيران 2019 09:37:00 - آخر تحديث: 04 أيلول 2020 15:39:04

تداولت وسائل التواصل الاجتماعي، نهاية الاسبوع الفائت صورة ملصق لوزير الخارجية جبران باسيل، وبجانبه علم "التيار الوطني الحر"، الذي يرأس، وعليه صليب الفرنجة الذي رفعته الحملات الصليبية على المشرق العربي. اللافت في الامر ليس الشعار، بل عدم التنكر له من جانب المعني، لما يضمره من إثارة نعرات، أبرزها تعزيز ما يروجه الوزير، في خطبه وتلميحاته، عن "استرداد" حقوق المسيحيين.

لا يبدو عدم تعقيب "التيار الوطني الحر" على لصق صليب الفرنجة ببيرقه، سوى من نوع توجيه الرسالة من دون تبنّيها، ومن صنف القول بأمر، ثم نفيه، على ما اعتاد، بحيث يرضي جمهوره بالمضمون، ويصون، بالتبرؤ، العلاقة مع المؤيدين والخصوم. لكن تكرار العملية، موقفاً ثم نفياً، يجعل الأمور تختلط على الناس فلا يميزون، بين اليقين والكذب، وهو ما ينطبق اليوم على الملصق الصليبي.

عدم دحض الملصق، واتّساق مقاصده مع "سوابق" الوزير الطائفية، يذكر بالجملة التاريخية في الأمثال العربية عن أمر ما سيئ الوقع: لقد جاء ضغثا على إبالة. إذ لا يكاد الوزير "الرشيق" يكتشف هذه المنطقة، أو تلك من لبنان، في حملة شعبوية لتلميع صورته "الوطنية"، حتى يعود منها زارعا روح الفتنة الطائفية، ببراعة يُشهد له بها: افتعال "زلة لسان" فتنوية، ثم ادعاء سوء نية سامعيها، مراهنا على ان تترسخ لدى عصب جمهوره، بينما يتولى "التصحيح" والتكذيب تبريد المستفَزين (بفتح الفاء) من الحرصاء على الاستقرار.

لا تبيح الصدقية، وكذلك الوقائع، الادعاء أن الوزير المذكور مهجوس باتفاق الطائف ومشغول البال بكيفية تطبيقه وتطويره. فعدا كلام المناسبات، لا يمكن اكتشاف جملة صادقة تدافع عن هذا النص الذي أوقف الحرب الأهلية. فلا هو قصّر، ولا من يقف خلفه، في محاولة تغيير، بالوقائع، في ما ينص عليه اتفاق الطائف، من انعقاد جلسات مجلس الوزراء في قصر بعبدا، التي يفترض ألا يرئسها رئيس الجمهورية إلا عند الضرورة، وليس أصدق ايضا من مواقف الوزير "العيّوق" باسم لبنان، في بعض المحافل الاقليمية والدولية، خلافا للرأي اللبناني الاجماعي. ويجب ألا يغيب عن الذاكرة، رفع شعار استعادة صلاحيات رئيس الجمهورية، واختراع "الثلث المعطل"، وتوزير الصهر، في الحكومات السابقة، واختراع الحصة الرئاسية في حكومة "العهد القوي" الاولى، ومصادرة وزارات بعينها، كأنها إرث وتركة من الجدود.

لم يكن رفع الرئيس الشهيد رفيق الحريري شعار "أوقفنا العدّ" من باب التجارة السياسية التي يتقنها الآخرون، بل كان مدخلا فعليا للوصول الى المواطنة، باعتبار المواطن مدماك بناء الوطن، من ضمن حفظ أنصبة الطوائف، ومراعاتها، من ضمن القوانين. ولو كان الحرصاء على حقوق المسيحيين يبحثون عن العدالة للمواطن، لنادوا بحقوق المواطنين من كل الطوائف. إنه سلوك مرضيّ أن نرى الحق من زاوية انتهازيتنا.