"وجدت فيه افكاراً تقدمية فبدأت أتردد عليه"... توفيق سلطان: إختبرتُ واقعياً منهجية حركة كمال جنبلاط

23 أيلول 2023 12:52:05 - آخر تحديث: 23 أيلول 2023 13:15:16

صديق الرؤساء والملوك والزعماء، صاحب العينين الزرقاوين الوقادتين القاسيتين حتى في لحظات التأثر. إبن طرابلس الفيحاء، السلطان تصرفاً واسماً، الذي أمسك،أسلوباً،الحبل من النصف فنجح في السياسة في أن يكون صديق الضدين. إبن الحركة الوطنية. واكب كمال جنبلاط وابنه وليد، وواكب رفيق الحريري وابنه سعد، وواكب حافظ الأسد وله معه 33 صورة. هو زائر نجيب ميقاتي الأسبوعي، وهو الحاضر دائما في عين التينة كلما أراد نبيه بري تفسيراُ وتحليلاً ومعلومة و»رفقة جميلة»، وهو المستعدّ دائما ليكون إلى جانب وليد بك حين يدق النفير. فيه سرٌّ، سألناه عنه وكررنا السؤال فأتانا الجواب: «أبيع في السياسة وأشتري... في السياسة تجارة». حوارٌ مع توفيق سلطان:

في منزله في الجناح، المحاط بحديقة تبعث سكونا في قلب الضجيج، التقيناه. صور كمال بك جنبلاط وابنه وليد في الأرجاء. ولكلِ صورة قصّة. أما في الألبومات والصناديق فهناك «طنّ» من الصوَر مع رؤساء وزعماء وشخصيات وملوك «فكل ملوك المملكة السعودية تقريباً عرفتهم» يخبر ذلك. هو من مواليد العام 1937 ويقول «تعرفت الى الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود. كنت أتعلم في مصر عام 1957 وكان الملك سلمان مع شقيقيه الملك فهد والأمير سلطان هناك. كانوا على خصام مع الملك سعود». يكثر توفيق سلطان من ذكر الأسماء والأماكن والتواريخ. ذاكرته ذهبية لا تصدأ: «الأمير سلطان سكن عند اللبناني فرانسوا تاجر، والملك فهد سكن في فيلا أكرم العجي أما الملك سلمان فسكن في عمارة إسمها «ليبان»، كانت تسكن فيها أيضا علياء الصلح وزوجها ناصر الدين النشاشيبي. وأنا كنت ساكنا بالقرب منهم. تعرفت على الملك سلمان ونشأت علاقة وثيقة بيننا وسافرنا معا الى الإسكندرية. مرّ الوقت وزرت المملكة السعودية أول مرة في العام 1973 مع كمال جنبلاط ويومها استقبلنا الأمير سلمان، وكان أمير الرياض، وأذكر أنه قال لي:» ليش نصحان؟».
العروبة أولاً

تعرّف إبن طرابلس على انور السادات أيضا في مصر «تعرفت عليه قبل أن يصبح رئيساً وبعد أن أصبح رئيساً» ويستطرد: «مررتُ بكثير من المفاصل لكن قصتي تبدأ من فلسطين وتنتهي في فلسطين. نحن نشأنا في بيت وطني ووالدي راشد تعاطى في الشأن العام (كان نقيب المحامين في طرابلس ورئيس بلدية المدينة). وبالقرب من منزلنا، على بعد نحو خمسين متراً، كان مركز جيش الإنقاذ الفلسطيني ورئيسه إبن طرابلس فوزي باشا القاوقجي. كنا نلتقي صغاراً في المركز ونرى الشباب يأتون من حماه وحمص ومن عكار وبعلبك وبيروت ليتسجلوا ويحصلوا على السلاح. كنا نشتري صور الزعماء الفلسطينيين بربع ليرة أو نصف ليرة ونرفعها على كرتونة ونهتف لفلسطين». وماذا كانت تعني فلسطين لطفل طرابلسي حينها؟ يجيب: «العروبة. كانت مشاعر وأفكاراً مختلطة لدينا. وحين كبرتُ إهتميت بالتنظيمات الطلابية في المعارف - مدارس الدولة - وأصبحت مسؤولا في إتحاد طلاب المعارف في طرابلس. وأتذكر أن ملحم كرم كان رئيساً لاتحاد الطلاب في بيروت فاتصل بي وطلب مني أن ننزل الى العاصمة. لم يكن معنا مال. نزلنا في سيارة سميح العكاري (شقيق ناظم العكاري) وقابلنا سامي الصلح. وفوجئت أنه عند انتهاء اللقاء قال له ملحم: الشباب جايين من طرابلس وما معن ياكلوا. فأخذونا الى الروشة وتناولنا الغذاء عند الغلاييني».

يحب توفيق سلطان الدخول في التفاصيل. يقول «والدي وأشقاؤه كانوا جميعاً محامين. كان هناك في عائلتنا في آن واحد 17 محامياً. وكان طبيعياً أن يدرس إبن بيت سلطان الحقوق». ويستطرد: أتذكر أنه يوم فتحت الجامعة العربية حصلت مشكلة. كان هناك أناس مع ترخيص فتح الجامعة لأنها تفتح آفاقاً أمام مكوّن معين كي يتعلم، وكان هناك آخرون يريدون أن يبقى التعليم الجامعي محصوراً في اليسوعية والاميركية. كنتُ في طليعة الشباب الذين خاضوا تلك المعركة ونجحنا، وانتسب في السنة الاولى 180 طالباً إليها. وأتذكر أنني سألت عصام حوري (الأمين العام لجامعة بيروت العربية) قبل وفاته عن العدد فأجابني: أصبح عدد الطلاب 36 ألفا».

لم تطل إقامة توفيق سلطان في الجامعة التي طرد منها فانتقل الى الجامعة اللبنانية التي تركها بعدما توفي شقيقه صفوح عام 1963. لم يهدأ إبن طرابلس يوماً. إستمرّ «ينغل» في السياسة والجامعة وبين الطلاب ثم بين السياسيين ويقول «أتت حرب 67 فأقمت مؤتمراً في فندق في طرابلس دعوت فيه الطلاب للتعبئة والمساندة. لكن، بعد خمسة أيام إنتهت الحرب بما سميتها هزيمة. فقلت لهم: علينا أن نعمل اليوم أكثر من قبل. ووجدت في الحزب التقدمي الإشتراكي افكاراً تقدمية فبدأت أتردد عليه ورشحت للإنضمام الى جبهة الأحزاب والقوى التقدمية».
الإشتراكي

هل نفهم من ذلك أن مبادئ الحزب الإشتراكي هي التي جذبته إليه؟ يجيب «تعلمت عزف العود على السمع ولم أتعلم النوتة، وأقصد بذلك أنني لم أهتم بقراءة مبادئ ودستور الحزب. هناك من يقرأ ولا يفهم وهناك من يفهم من دون أن يتعمق في القراءة. أنا إختبرت واقعياً منهجية حركة كمال جنبلاط وهو كلفني بمهمة (منصب) في طرابلس وبعد أيام قليلة طلبني الى بيروت ثم قال لي: أتذهب معي الى مصر؟ تقدمتُ بسرعة. وكانت المهام التي اقوم بها تنسجم مع مزاجي بعدما كنت في طرابلس اقوم بجمع الشباب وذهبت بهم الى مصر وتدربنا على السلاح وأتينا بأستاذ (الدكتور ظاظا) ليعلمنا اللغة العبرية في الجامعة. هذا ما كنت أقوم به من قبل. أما مع كمال بك فسلموني أمانة سرّ مفوضية الشؤون العربية وهي مرتبطة مباشرة بالرئيس ومن مهامها التفاوض مع الأحزاب الوطنية والعلاقات مع الأحزاب العربية والعلاقات مع المنظمات الفلسطينية. وكبرت علاقاتي من المغرب الى اليمن».

يتذكر سلطان زيارة كان يقوم بها الى المغرب مع زوجته، بناء على دعوة من الملك المغربي «يومها نزل في المغرب أنور السادات آتيا من أميركا ما ادى الى تغيّر طبيعة زيارتي. طلبت موعداً من حزب الإستقلال المغربي وكان رئيسه وزير الخارجية محمد بوستة. طلبت أن آخذ صورة تذكارية معه. وقال لي ما معناه أنه ضد كمب ديفيد لكن من اللياقة إستقبال السادات. ناديت مراسل «أ ف ب» وأعطيته الصورة وقلت له: أخبرني وزير خارجية المغرب أنهم ضد كمب ديفيد. طار عقله. وقال لي سعيد الأسعد، سفير لبنان هناك، إن ما فعلته أزعج المغرب كثيراً. وحين سألوني قلت لهم: أنا عرفت أن هذا الموقف القومي الكبير من شيمكم لكنكم لم تعلنوه من باب اللياقة ففعلت أنا ذلك بالنيابة عنكم».
إلى عدن

شيئاً من كل شيء يحاول أن يرويه توفيق سلطان من جعبته المليئة بالتفاصيل والمحطات. كان مقرباً من كثيرين في اليمن الجنوبي «كنت اتردد عليهم. وذات يوم وجهت دعوة غداء من قِبل الأمير عبدالله - الذي كان موجودا في البلد - الى كمال جنبلاط وقيل أنه يريدني أيضا معه. ذهبنا. ونقل إلينا خلال الغداء رغبة الأمير في ترتيب العلاقة مع اليمنيين فقال كمال بك «لا أعرفهم. توفيق هو من يتردد عليهم. وبالفعل، ذهبت الى عدن سبع مرات وعقدت محادثات سرية. وكان المحضر يكتب بخط يد علي الأعور- أعدم لاحقاً مع رئيس اليمن الديمقراطية السابق سالم ربيع - على ثلاث نسخ. واحدة لنا، واحدة تبقى في اليمن وثالثة للمملكة السعودية. أنجزنا ثلاثة بروتوكولات آخرها يوم جنازة معروف سعد استطعنا نقل معسكر المقاتلين الى تبوك ولا يزال اسمه حاليا معسكر السلام، وأخذنا الأمير سعود الفيصل الى عدن، واستطعنا وقف الإذاعة والنشرات. كل ذلك حققناه سراً». ويستطرد: «سبب الفشل في الملف في السعودية هم الأمراء الكبار، فكل واحد يستلم زون (منطقة جغرافية معينة). الأمير عبدالله الذي كلفنا كان يستلم برّ الشام لذلك كانت علاقته جيدة مع صدام حسين ومع حافظ الأسد والملك الأردني الحسين وكنا نحن والفلسطينيون على الرفراف. أما اليمن فكانت ضمن «زون» الامير سلطان. وكنا نشتغل بشكل بدائي، لا سكرتاريا ولا مركز دراسات ولا إعلام بل علاقات شخصية ونضال مشترك وقومية عربية وناصرية وإشتراكية. كنا نسند بعضنا. هذا كان المناخ العام».

فلنعد الى الداخل اللبناني. المحطات التي تحرّك في كواليسها توفيق سلطان لا تعدّ ولا تحصى وفي صدارتها العلاقة مع كمال بك جنبلاط. يقول: «هو يعمل 24 ساعة على 24 ونحن معه. واتفقنا، جورج حاوي ومحسن إبراهيم وأنا، على أمر معين وهو ضرورة أن لا يختلف كمال جنبلاط وحافظ الأسد وعملنا كثيراً للحؤول دون ذلك. كل زيارات كمال جنبلاط الى الشام شاركت بها، وهناك كثير من الزيارات كنا، انا وكمال بك، وحدنا، كوني كنت أعرف حافظ الأسد قبل أن يصبح رئيسا كما كنت أعرف صلاح جديد (أحد قياديي حزب البعث العربي الإشتراكي في سوريا). لي تاريخ في سوريا. أعرف جماعة عبد الحميد السراج (السياسي والضابط السوري) منذ العام 1958. رأيتُ حافظ الأسد في اليوم السابع الذي تلا إعلان الحركة التصحيحية بناء لدعوة منه. نقل لي الدعوة مهندس من الكورة يدعى جورج الحريكة خاله كان مطران حماه. كما جلست مع يوسف الزعيم (رئيس وزراء سوريا سابقا نسّق مع الصاعقة) في الغوطة الذي قال لي: الثورة أمينة. سلحنا المرأة وسلحنا إتحاد الطلبة وإتحاد العمال. دعوني أصحابي الشيوعيين بعدها الى عشاء في الروشة وسألوني عن آخر الاخبار فقلت لهم: طارت سوريا لأن حافظ الأسد معه الدبابات والطائرات وصلاج جديد والقيادة مع الفلسطينيين والمقاومة معهم المرأة والطلاب والعمال. في كل حال، إلتقيت كما سبق وقلت حافظ الاسد بناء لدعوة منه فشرح لي القصة في لقاء دام ثلاث ساعات تحدث فيه عن المقاومة وسوريا والعلاقات العربية. ومنذ ذاك الحين أيقنت وجوب أن نكون مع سوريا بغض النظر عن الأشخاص الذين يقودونها. طلب مني الأسد ان انقل فحوى اللقاء الى كمال جنبلاط وهذا ما فعلته. سألني كمال بك: وماذا عن اصحابنا والقيادة ووزير الداخلية آنذاك - صديقه - محمد رباح الطويل فقلت له: لا علاقة لنا بمن يحكم سوريا. نحن علاقتنا مع سوريا. طلب مني أن اتركه يفكر، مساء طلب مني أن أكرر عليه الكلام. أعدت تلاوته ثلاث مرات. وبعدها بنى علاقات أكثر من ممتازة مع حافظ الأسد منذ بداية السبعينات وبقيت هكذا حتى العام 1976. كمال جنبلاط عومل في سوريا ليس كرئيس حزب بل كرئيس دولة. كان يبيت لديه ويتناول الغداء الى مائدته ويعقد جلسات تدوم ست او سبع ساعات يتحدثان ويُستقبل عند الحدود في نادي الرماية وكلمته لا تصير اثنين الى أن استحق الأمر الأكبر: المشروع. وهنا تنازعنا أمران: العلاقة مع سوريا وتوجه كمال جنبلاط».
قتل كمال جنبلاط بسبب «المشروع». وسئل توفيق سلطان مراراً: من قتل كمال جنبلاط؟ فأجاب دائماً: أنا لست محققاً بل أعمل في السياسة. ويستطرد: «أنا أقول لماذا قتل كمال جنبلاط. من قتله ليس شغلي. في السبعينات بدأ المشروع مع الملك الحسين وانتهت القصة وأخذ الضفة والقطاع. فشل الحسين وصار اللي صار وحصلت احداث الأردن في السبعينات. وياسر عرفات هرب وفرط المشروع وتداعت المسألة واستلم المشروع حافظ الأسد. هناك كان المشروع الضفة والقطاع أما هنا فاختلف المشروع الذي يتضمن أمبراطورية من العقبة حتى الإسكندرون. كونفدرالية تضم الأردن وسوريا ولبنان. حافظ الأسد في لقاء لنا معه قال لعبد الحليم خدام: أبو جمال أعطي المشروع لتوفيق. أخرج الإضبارة التي تخص لبنان وفيها: كاظم الخليل محام بالإسئناف، نائب رئيس حزب الوطنيين الأحرار، عطفا على رحلة التصيد (الصيد) التي شارك فيها كميل شمعون في سوريا، نعرب لكم عن موافقتنا على الكونفدرالية ما بين سوريا ولبنان والأردن. هنا قال الأسد لجنبلاط ما معناه ان المسيحيين قبلوا معه. أجابه: إنهم يكذبون عليك ولا يمكنني المضي بها. أنتم لا حرية لديكم وأنا لا يمكنني أن أعيش من دون حرية ولن أدخل قفصك الذهبي الكبير».

هذا في إختصار ما حدث، برأي سلطان، وهو كان شاهداً عليه ويقول: «أحد أصدقائي ويدعى لطفي الخولي كان يقول: أدخل على أربعة أشخاص في سوريا فيصبح بينهم خمسة في المخابرات، مني وجرّ. وأكثر من حمسوا جنبلاط ليختلف مع سوريا مشوا مع سوريا. قاتلنا كي لا يختلف الرجلان لكن حين اختلفا وقفنا مع كمال جنبلاط. لم نتركه لا في البداية ولا في النهاية. مضى عليّ 57 عاما لم أتركه (حيا وشهيداً) لا سابقاً ولا حاضراً ولن أفعل في المستقبل. أنا ثابت. بقيت في منصبي حتى العام 1982 (نائب رئيس الحركة الوطنية). وحين حلوا الحركة الوطنية خرجت الى مصر طوال تسع سنوات من العام 1983 الى العام 1992. لكني بقيت أشتغل في الحزب الإشتراكي وكأنني موظف. عندما يحتاجونني أكون موجوداً».

بعد إغتيال كمال جنبلاط ترك الحزب، أو حاد عنه، كثيرون فلماذا بقي توفيق سلطان؟ يجيب: «بعد استشهاده إجتمعنا أربعة أو خمسة أشخاص هنا في منزلي وقال أحدهم: فلندع وليد ينطلق مع فريق جديد. أجبتهم: موافق. قال آخر: فلندعه يرمي كل الاشياء المؤذية علينا. أجبته: موافق. وقال ثالث: سيقولون عنا خافوا وهربوا. أجبته: لا، لن أقبل بذلك. أنا مقاتل ولن أترك وأهرب. سأبقى مع وليد الى حين يأخذ كل المناصب التي كانت مع والده. وهذا ما كان. وبقي وليد ينده ورائي كلما احتاج».

يتحدث توفيق سلطان عن موقعه فيقول «ليس ضرورياً ان يكون الإنسان نائباً او وزيراً أو عضو قيادة كي يعمل. كل إنسان يمكنه ان يشغل عقله ويتحمل المسؤولية وهذا ما فعلته. بقيت خمس سنوات ونصف لا أدخل الى طرابلس. تعرضت الى محاولات قتل وجسدي شاهد. أيقنت دائماً أنني لست مهماً الأهم هو مشروعنا. مشروعنا كان مستهدفاً ورئيسنا قتل. ونحن كنا لفترة شبه ميتين لكن بجهد وليد جنبلاط ومقدرته السياسية وشجاعته صمد. مرّت 46 سنة ليست سهلة أبدا على وليد جنبلاط».

هناك من يصف وليد جنبلاط بالمتغير الدائم... يقاطعنا سلطان بالقول: من يقول ذلك يريده أن يبقى شابا كي يسهل ضربه. ما يهم وليد هو خدمة القضية واستمرار البلد. هو يقرأ في الخرائط ويعرف كيف يدوّر الزوايا وما يهمه هو بقاء البلد على قيد الحياة».
هل شجع سلطان وليد جنبلاط بعيد إغتيال والده على زيارة سوريا؟ يجيب «حين ارتأى الصعود الى سوريا قيل لي وأنا مسؤول الشؤون العربية أن لا أصعد معه لأنني كنت على شجار مع أبو جمال (عبد الحليم خدام). إجتمع الشباب الجدد والقدامي وبينهم محسن ابراهيم ونمر صالح الذي قال: ماذا تريدون ان تفعلوا في سوريا من دون توفيق سلطان؟ مصالحة؟ الخلاف هو مع سلطان. أتى وليد فقلت له: سأصعد معكم. كان قرار ذهاب وليد الى سوريا حكيماً. فإما أن يكون شيخ عشيرة يأخذ بالثأر أو يتجانس مع الجوّ لاستمرار العمل السياسي ويبطئ مفاعيل تغييب كمال جنبلاط. الشاطر هو إذا خسر الشخص أن لا يدع ذلك يؤدي الى خسارة ما يؤمن به هذا الشخص. لم يذهب وليد مفتخراً فرحاً الى سوريا لكنه وجد فيه الحلّ الأنسب. هو ذهب لبنانياً وعاد لبنانياً».

للضرورة احكام. ربما. لكن وليد جنبلاط يوم اغتيال الحريري كان صاحب الصوت الأعلى. حكى عن الافعى وقال عن الأسد «يا قرداً لم تعرفه الطبيعة ويا حوتاً لفظته البحار ويا افعى هربت منها الأفاعي»... فهل أراد الإنتقام لوالده أيضا؟ يجيب توفيق سلطان: «يمكن ان يقول وليد ما يريد وليس ضرورياً ان أكون موافقا على ما يقول لكن ما أريد قوله هو ان وليد نقل رسالة الى رفيق وأنا بدوري نقلت رسالة الى كليهما فيها مخاوف من اغتيال. قتل رفيق الحريري يوم اثنين وأنا كنت قد نقلت له الرسالة يوم الجمعة. يومها هزّ رفيق يده وقال له: أنا Guarantee. كان يمكن أن يكون وليد أيضا ميتاً مكان رفيق أو ان يموت بعده بساعة».

توفيق سلطان صديق كمال جنبلاط صادق أيضا رفيق الحريري ويقول: «الحريري كان فرصة حقيقية للبنان بكل المعايير وما كان ينقصه أنه لم يكن مقاتلاً. كان نشيطاً كفوءاً وقادراً أن يكون رئيس أوركسترا. هو من اخترع فريق المستشارين. هو رئيس على مساحة العالم لا لبنان وحسب. إنه ظاهرة لا تتكرر. وهناك من قال إن سعد (سعد الحريري) قليل التجربة. أخطأ من قال ذلك فهو لا يقارن برفيق كما لا يجوز مقارنة وليد بكمال. كل واحد حالة مختلفة. سعد تمكن من الجلوس في البيت الأبيض. وكان ضيفاً مرحباً به دائماً في الإليزيه. علاقتي به ممتازة. وسعد حاسبوه على حسناته لا على سيئاته. هو حال دون فتنة مذهبية في البلد. إنه شجاع وشريف. الله يحمي وليد وسعد».

مات كمال جنبلاط صادق توفيق سلطان وليد. مات رفيق الحريري صادق توفيق سلطان سعد. مات حافظ الأسد... فماذا عن علاقته ببشار؟ يجيب: «لي مع حافظ الأسد 33 صورة». وكم صورة له مع بشار؟ يجيب: ولا واحدة. لا أعرفه. رأيته يوم ذهبت الى القرداحة للتعازي بوفاة باسل. ورأيته مرة في قصر المؤتمرات». ويستطرد: «قال لي حافظ الاسد مرة: اين أنت يا توفيق لماذا لا نراك؟ قلت له: عندما تدعوني تراني. أنا لا أذهب الى سوريا لأرى رفاقي في المدرسة. أنا «بياع شرا» إذا لم تكن لدي بضاعة للبيع وما بدي إشتري فهل اذهب لأتناول البوظة في سوق الحميدية».
هل يمكننا أن نقول إن السرّ في توفيق سلطان انه «بائع شرا»؟ هل يبني صداقاته وفق تلك القاعدة؟ يجيب: «طلبني حكمت الشهابي يوم اختلف مع كمال جنبلاط. كنت في مصر. يومها قال لي: أنت الملك في حزبك. وسكنك سيكون مؤمنا. فأجبته: أنا لا أترك حزبي. رأيت عبد الحميد سراج لاجئاً سياسياً في مصر. هو كان ملكاً في سوريا. الإنسان يتبهدل إذا لم تكن علاقته سوية مع الآخرين. لا يمكن لأحد أن يبني علاقة مع دولة مهما كبر. وحده «حزب الله» لديه الآن ما يبيعه لذلك هو قادر على بناء علاقة ندية مع دول. في السياسة كثير من التجارة».

لم نرك نائبا أو وزيرا أو دولة رئيس على الرغم من كل تلك العلاقات التي بنيتها... يقاطع بالقول: «يوم انتخب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية وصل لتهنئته صائب سلام فحملوه على الأكتاف ما ادى الى ارتطام رأسه بالثريا وإصابته بجرح. وضعت له عرقاً على محرمتي وكبست راسه. فقال حينها صائب سلام: توفيق سيكون معنا في التشكيلة فأجابه فرنجية: انت رئيس وزراء وأنا رئيس جمهورية لكن ماذا نفعل برشيد كرامي؟ وأتذكر أن رفيق الحريري قال مرة أمام مروان حمادة وأخته (بهية الحريري): توفيق سلطان يغنيني في النيابة عن خمسين نائباً. فقال له نهاد المشنوق: إخترت الرجل الممتاز لكن هل تريد إقامة مشكلة مع سوريا؟ عليك ان تأتي بشخص علاقته جيدة بسوريا. أتى باحمد كرامي الذي كانت له علاقة جيدة بغازي كنعان. السوريون حاولوا أن يشغلوني ففشلوا ولم انفعهم فلماذا يقبلون بي؟ سورياً أنا املك حقّ التجول وغير معرّض للقتل وغير ذلك لا. هم وقت الازمة طلبوني ولم يجدوني فكيف يرشحونني الى مناصب. السوريون ليسوا كاريتاس. إنهم يريدون من يلعب لعبتهم».

توفيق سلطان إعترف بسرّه «يبيع ويشتري» في السياسة، فهل ما زال اليوم مالكاً لمقومات هذا السرَ؟ يجيب «صداقاتي كثيرة لكني أحرص أن لا يضجر مني أصدقائي خصوصاً من لديهم مسؤوليات. هناك جلسة أسبوعية تجمعني مع نجيب ميقاتي قابلة للتعطيل حين يكون مشغولاً. هو سافر في شهر آب ليلتحق بأسرته في أوروبا فتعطلت جلساتنا خمسة أسابيع. نبيه بري تجمعني به صداقة أيضا وحين يدعوني يجدني. أحبه من زمان وأصفه بميزان القبان وضمان وحدة البلد واستقراره. ووليد جنبلاط صداقتي معه دائمة وفي كل مرة يلفت نظري كتاب ما او قراءة ما أتصل به».

يُمسك سلطان السيكار وينفث الدخان عالياً. هو يملك صوتاً جهورياً وقدرة على بناء صداقات نقيضة أحياناً. ويقول: «هناك أشخاص يعتبرون أنني ظلمت أما أنا فاعتبر أنني حققت ما اردت. ورجعت بعد طول غياب الى طرابلس وجهزت مرفأ طرابلس بجهد من غازي العريضي ووليد جنبلاط.
يحب السباحة يومياً. يقرأ كثيراً معتبراً أنه لولا الكتاب لكانت الحياة ضيقة. يمشي. ولديه ولدان: مديحة وراشد: «إبنتي في لندن ولديها إبنة وإبني في لبنان ولديه ابنتان في نيويورك. وهذا الصيف أتوا وأمضيناه معاً» ويستطرد: «تأخرت في الزواج وأعترف أنني لم أتمتع كما يجب مع أولادي وزوجتي هدى كانت تعمل في وزارة الإقتصاد ثم في الإعلام وكانت تجمعها غرفة واحدة مع محسن دلول ونهاد عازار ومصطفى خليفة».

في النهاية نسأله عن علاقته بالسيد حسن نصرالله فيجيب: «سألني نفس السؤال سياسي عربي كبير فقلت له لا أعرفه لكن حين توفي إبنه ذهبت لتقديم التعازي مع محمد شقير. كان جالساً في الهنغار والى جانبه ميشال إده وكان حاضراً علي عمار. حين غادر إده طلب مني عمار أن أجلس بقرب نصرالله فقلت له: لا أغير مقعدي في التعازي. لكنه ألح ففعلت. سألني نصرالله عن طرابلس وكان العرق يتصبب من وجهه أضاف: أريد أن انزع نظاراتي وأمسح عرقي لكنني أخشى أن تلتقط التلفزة صورة لي ويقال أنني أبكي. هو لم يبكِ لكنني أنا بكيت».

لكن، حزب الله هو متهم في التحقيق الدولي باغتيال صديقك الآخر رفيق الحريري؟ يجيب: أنا لست محققاً لتحديد القاتل».