أحرج رافضو الحوار أنفسهم باعتبارهم أن لا فائدة من تلبية دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى حوار غير مشروط محدد الوقت وإلى جلسات نيابية مفتوحة بعده لانتخاب رئيس للجمهورية. رافضو الدعوة يصرّون على أنه مضيعة للوقت، ويفضلون الشغور الرئاسي على الجلوس الى طاولة النقاش، وفي مقدمتهم رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.
هذا الموقف يستوجب التوقف عنده لا سيّما أنه لم يقترن بتقديم أفكار لحلول بديلة، فلماذا اذا هدر الفرص المتاحة؟ وكيف تبرّر القوات اللبنانية لرئيسها هذا الموقف؟
يحدّد رئيس جهاز الإعلام والتواصل في القوات اللبنانية شارل جبور، خلال حديث مع جريدة "الأنباء" الإلكترونية، مساريْن لإنتخاب رئيس للجمهورية، ويعتبر أن لا ثالث لهما: "المسار الأول، وهو النموذج الذي حصل عام 1970 بين الرئيسين سليمان فرنجية والياس سركيس، أي النزول إلى مجلس النواب وافتتاح جلسة إنتخابية بدورات متتالية حتى إنتخاب الرئيس، وهذا ما أعلنه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من سيدني، وإما يفوز مرشح واحد من المرشحين أو الذهاب بإتجاه مرشح ثالث".
المسار الثاني، وفق جبور، "هو الذي يتمثل بنضوج توافق بين القوى السياسية والكتل النيابية للتوصل إلى تفاهمات، كالتقاطع الذي حصل حول إسم الوزير السابق جهاد أزعور دون انعقاد طاولة حوار أو ما شابه، أي حصول إنضاج على إسم إنطلاقًا من غربلة الأسماء المطروحة، ومن ثم إختيار الإسم الذي تم التوافق عليه، وهذا ما يُفترض أن يقوم به الوسيط الخارجي أيضًا، حيث يغربل الأسماء بين الكتل في حال هي ليست على تواصل من أجل الوصول إلى نتيجة".
جبور يعتبر أن "هذه هي الخطوات التي من المفترض أن يسلكها الجميع، بعيدًا عن الحوار الكاذب والمُضلل والمكشوف الأهداف من أجل تكريس أعراف على حساب الدستور والمزيد من الإمعان بتعطيل الرئاسة وإنقلاب على الدستور كما هو حاصل اليوم"، حسب تعبيره. ويُحمّل "الفريق الممانع مسؤولية ما يحصل اليوم"، حيث يلفت إلى أن "هذا الفريق بركنيْه رئيس مجلس النواب نبيه بري وأمين عام حزب الله حسن نصرالله يواصلان تعطيل الدستور والمهل الدستورية وتطيير النصاب ومنع إنتخاب رئيس للجمهورية تحت عنوان إما أن "تنتخبوا مرشحنا وإما لا رئاسة"، وبالتالي نحن أمام فريق معطل إنقلابي يواصل إنقلابه على الجمهورية ويمارس دوره خلافًا للدستور".
لكن على ماذا تراهن القوات اللبنانية؟ يُجيب جبور "تراهن على الرأي العام اللبناني الذي اكتشف مدى سوء الممانعة وسلبية دورها الكارثي على لبنان، وتراهن على المعارضة ووحدة صفوفها، وكذلك على وعي اللبنانيين من أجل مواصلة مواجهة هذا الفريق الذي يمعن في انتهاك السيادة وضرب الدستور اللبناني، وبالتالي رهانها هو على الرأي العام وعلى المعارضة في رفض الخضوع للفريق الآخر وعدم التسليم له بالأمر الواقع، من أجل الوصول للأهداف المنشودة للدولة اللبنانية، إذا رهانها على الإرادة اللبنانية بأن لا تنكسر في مواجهة محور الممانعة".
مصادر سياسية مراقبة اعتبرت أن في كلام جبور ما يحمل تناقضاً مع ذاته، فهو إذ يؤكد رفض الحوار يعود ليقترح أن يتم عبر وسيط خارجي، إذ هل الحوار بين اللبنانيين مرفوض، فيما هو مقبول بتدخل خارجي، وهل هذا الموقف يتطابق مع مبدأ السيادة حيث انها العنوان الأساس الذي ترفعه القوات اللبنانية؟
وإذ لا تنكر المصادر إطلاقاً مسؤولية فريق الثامن من آذار في تعطيل الجلسات النيابية من خلال إنسحابها وتطيير النصاب، "فهذا أمر غير خافٍ على أحد"، إلا أنها ترى في حديثها مع "الأنباء" أن "السيناريو نفسه معرض للتكرار في أي جلسة إنتخاب جديدة قد تنعقد بغياب التوافق، وهذا يعني أيضا مضيعة للوقت، اذا لم تذهب المعارضة إلى الحوار الذي دعا إليه بري وتنزع بالتالي من فريقه ذريعة تطيير النصاب". وتسأل المصادر ذاتها "اذا ما سلّمنا جدلاً بضرورة عدم انعقاد الحوار والذهاب فورا الى جلسات الانتخاب، فكيف يُمكن إقناع فريق 8 آذار بعدم تعطيل الجلسات من دون التحاور معه؟ ثم ألم يهدد جعجع وفريق المعارضة باستخدام ذات الطريقة - أي تطيير النصاب- اذا ما شعروا بأن مرشح 8 آذار سوف يتمكن من الفوز؟".
من هنا تشدد المصادر على "أهمية الفرصة التي أتاحها رئيس مجلس النواب نبيه بري بالدعوة إلى الحوار، والتي أعطى من خلالها أول إشارة جديّة عن إستعداد فريقه للمشاركة بنقاش قد لا يفضي الى انتخاب مرشحهم، بتأكيده الذهاب الى جلسات متتالية بصرف النظر عن نتيجة الحوار". وتخلص المصادر إلى القول: "كان من الأجدى بالمعارضة الرافضة للحوار تلقف هذه الفرصة والذهاب إلى الحوار، لأن الـ 7 أيام كانت ستمضي والجلسات كان تم افتتاحها، وبالتالي كنا لنكون أمام فرصة جدية للوصول إلى إنتخاب رئيس".
ويبقى أن يدرك الجميع على ضفّتي القوى السياسية، أن الأهم التعلم من دروس وتجارب الماضي واستخلاص العبر، لا إعادة الكرّة بالتعطيل أو برفض الحوار وبالتالي تعميق الأزمة.