قراءة في كتاب "الحلم والواقع" لنيكولاس بيرديائف
16 سبتمبر 2023
11:27
آخر تحديث:27 سبتمبر 202313:23
Article Content
لم يكن الفيلسوف الروسيّ نيكولاس بيرديائف الّذي لفتني كتابه "الحلم والواقع"، ليخطر على بال أحد حكماء الهندوس الّذي أخبره بأنه سيكون شهيرًا في "أوروبا المنحدرة إلى الشيخوخة"، لو لم تلفت أفكاره الفلسفيّة انتباهه بشدّة إليه.
لقد وقفت عند "الحلم والواقع" لأقدّم قراءةً مفيدة لرسالة بيرديائف الوجوديّة التي حاول، من خلالها، الكشف عن تصوّره العالم، والبحث عن معنى الحياة. ولا يعني هذا غياب رؤيتي الخاصّة، فرؤيتي هي الرؤية التي قرأت بها أفكار الكتاب المختلفة.
كان بيرديائف في موقفه من العالم واضحًا بامتياز، فرأيناه يقول: "منذ اللحظة الأولى لولادتي شعرتُ "بكذب العالم". وحين تكون رؤيته على هذه الشاكلة، فكيف تكون حقيقة العالم؟
رأى بيرديائف أنّ "الحرّيّة هي المصدر الأوّل لوجوده وشرطه، وهي في البدء والمنتهى".
وإذا كان التاريخ البشريّ يعكس ارتباط العبودية بحركة الإنتاج التي كانت تفتقر، منذ مئات السنين، إلى التقدّم التقنيّ، حيث قامت هذه الحركة على أعداد هائلة من العمّال البائسين، فإنّ الثورة الصناعيّة الّتي قامت على التقنيّة، وهلّلت لشعار التقدّم، وسيادة الإنسان على الأرض، تخلّت عن حريّة الإنسان، وهي أوّلا وقبل كلّ شيء، وجعلته عبدًا لأدوات التكنولوجيا الجديدة، "فخلقت اختصاصيين يعيشون كالآلات، بلا أرواح، وبلا قلوب"، كما يقول عالم الاجتماع الألمانيّ ماكس فيبر.
ويعني ذلك أنّ الصورة المنهكة للإنسان في الحضارات القديمة، وما سيؤول إليه من تبخيس لحريّته في ضوء الحضارة الصناعيّة، فهم بيرديائف، وهو الفيلسوف الوجوديّ المتأمّل، حقيقتها بمعرفته المتقدّمة، فقدّم لنا هذه الحقيقة قائلًا: "المادّة تتعلّق بالزمنيّ، أمّا الروح فتسعى وراء الأبدية، وروح الإنسان الحقيقة هي روحه الخلّاقة وعمله المبدع، ويعني ذلك أنّ الروح والحريّة.
وجهان لحقيقة واحدة. ويذهب بيرديائف أبعد من ذلك حين يضيء أمامنا حقيقةً يقينيّة تتعلّق بحقيقة الوجود، وحقيقة الوجود هي الله. والإنسان بالإمكانات الموجودة فيه يمكنه البحث عن هذه الحقيقة ليصل إلى كماله الذاتيّ، كيف لا وهو يقول: "إنّ فكرة الله هي أعظم فكرة إنسانيّة، وفكرة الإنسان هي أعظم فكرة إلهيّة".