إذا كان ما يجري على الساحة اللبنانية يحول دون القيام بإكمال مسيرة الإصلاح سياسياً، واقتصادياً، ومعيشياً، فإنه بات من الضروري حشد كل الطاقات للعودة إلى طاولة الحوار، رأباً للصدع، ووأداً للفتنة، وهي في المهد، استباقاً، وتداركاً لمشهدٍ قد يكون أشدّ سوءاً من سنوات حرب عجاف طالت البلاد طولها وعرضها.
وعلى هذا، المطلوب التسريع في الحوار، لا سيّما وأنّ ما يجري حولنا، من سوء أحوال وأعمال، قد يُنذر بشرٍ مستطير.
أضِف إلى ذلك، ما نغرق فيه من بؤس، وظلم، وعدم إنماء، إضافةً إلى ما نتخبّط فيه من أزمات على كل الأصعدة والمستويات.
من هنا، نرى أن لا حلّ إلّا بالعودة إلى طاولة الحوار، والتي من المفترض أن توصل الجميع إلى اتفاقات، وتفاهمات، لا رجوع ولا مَحيد عنها، خصوصاً المواضيع الجوهرية منها.
إلّا أنّ أي حوار يجب أن يستند إلى عناصر أساسية، تكون مادة صالحة للبحث، تثبيتاً للسلم الأهلي، وتقوية للوحدة الوطنية، بما يقرّب وجهات النظر بين المتخاصمين، فنكون في حِلٍ من أزمات مضت، خاصة لجهة اقتناع الجميع، بأن لا بديل عن هذا العيش المشترك، وأنّ بناء لبنان يحتاج إلى جهود جميع أبنائه، بما يتيح لهذا البلد أن يتنفّس الصعداء، وبما يعزّز المساكنة، ويُبعد الفتنة، إلى حيث لا عودة ولا رجعة على الإطلاق.
وفي هذا المجال، نؤكّد أنّ أي حوار لا يعود بالبلاد إلى استقرارٍ سياسي، وأمني، ومِن ثمَّ التوصّل بشكلٍ هادئ إلى حل المسائل الخلافية، هو حوارٌ غير مُجدٍ وغير منتج.
وفي كل الأحوال، نحن نتطلّع إلى الحوار، ليس فقط لناحية معالجة موضوع ما، بل لمعالجة كافة المواضيع السياسية، خاصةً لجهة إصلاح القانون الانتخابي، وإلغاء الطائفية السياسية، وتطبيق اللّا- مركزية الإدارية، والتسريع بعملية الإنماء المتوازن، رفقاً لرفع الظلم الاجتماعي والحرمان عن كاهل اللبنانيين. ولا يغيبنّ عن البال، أن من أهم المسائل التي يجب معالجتها على طاولة الحوار، هي هذا القانون الانتخابي الذي عمل على جَلْد اللبنانيين، وجَثا على صدورهم سنيناً طوالاً، في وقتٍ كل دول العالم تعمل على تطوير قوانينها الانتخابية، فيما لبنان يرسو في أسفل قاع، غير قادر على اللحاق بركب الدول الحضارية والديمقراطية.
لقد حان الوقت، وآن الأوان، للعودة إلى الحوار كرزمة شاملة وكاملة، انطلاقاً من ثوابت أساسية لا مَحيد عنها، بعيداً عن ترحيل عناوين أساسية، واستحضار عناوين ثانوية، لا تمتّ إلى الواقع بصلة.
نخلص للقول: إنّ أي حوار لا يُفسحُ في المجال أمام تلاقي والتفاف جميع القوى السياسية حول طاولة الحوار، لن يكتب له النجاح، سيّما وأنّ لبنان لا ينهض إلّا بأجنحته كافة تاريخياً.
فلنبدأ الحوار، ولنمدّ جسور الثقة طياً لصفحة الماضي الأليم، قبل أن يداهمنا الوقت، رأباً للصدع، ووأداً للفتنة.