هذا ما نعرفه.. فماذا تعرفون؟

06 أيلول 2023 11:37:46 - آخر تحديث: 06 أيلول 2023 11:55:14

تصادف هذا العام ذكرى بدء ما عُرِف بحرب الجبل، وهي ذكرى أليمة بما تحمله من استرجاع للمآسي، مع مقاربات سياسية غير واقعية تأخذ البلاد الى تصعيد سياسي لا تحتمله، ويحمل في طياته إشارات خطيرة عن رغبة لدى البعض باستعادة كأس الاقتتال المرة ولو على غير جبهة.

وفيما يسمع اللبنانيون تصريحات تتغزل زمن الجبهات والمتاريس، وتحرّض ضد مرتكزات السلم بدءاً من فكرة الحوار، فإن كل ذلك يدفع إلى طرح جملة من الأسئلة حول الدروس التي استخلصها الجميع من الحرب، والسرديات التي تم نقلها لأجيال لم تسمع صوت القذائف ولم تعش لبنان المُقسّم، بل جلّ ما تعرفه عن التقسيم ما يُساق لها تحت مفهوم "الفدرلة".

واقع خطير، نلتمسه من حين إلى آخر، نحن الجيل الجديد، أبناء المدرسة التقدمية. واقعٌ لا يشبهنا نحن الذين تعلمنا عن الحرب في مدرستنا الوطنية على أنها مرحلة عنوانها الصمود وحفظ الوجود، وحفظ هوية لبنان العربية وميزته في التنوع وقبول الآخر، واحترام أرواح الشهداء وتضحيات المناضلين، والتمسك بالجوهر الذي ناضلوا لأجله، وهو لبنان الواحد، وأهم ما في خواتيم هذه التجربة: المصالحة.

في هذه المدرسة أيضا اقتنعنا بوصية أساس لوليد جنبلاط، قالها يوم سلّم قيادة المختارة لتيمور عام 2017، حين حذَّرَنَا من أنه ومهما "كبرت التضحيات من أجل السلم والحوار والمصالحة تبقى رخيصة أمام مغامرة العنف والدم أو الحرب".

عن تلك المرحلة الموجعة من تاريخ لبنان نعرف نحن التقدميون الذين ما عشنا الحرب محطات عديدة تبدأ منذ الثورة البيضاء عام 1952 ومعمودية الدم في الباروك وتسير إلى لحظة 16 آذار 1977، يوم هبّ وليد جنبلاط لحقن الدماء ومنع قتل الأبرياء بعد أن طالت يد الغدر المعلم الشهيد كمال جنبلاط. 

نعرف أيضاً تفاصيل حول جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، عن "جمول" التي تأسست في أيلول من عام 1982 لطرد الإسرائيلي، وكان للحزب التقدمي الاشتراكي فيها عمليات مشرّفة ضد العدو نجحت مع جهود الآخرين في طرده من بيروت والجبل. وندرك في السياق كيف تراجعت إسرائيل نحو الجنوب، وفتح وليد جنبلاط طريق المقاومة نحو الجنوب.
 
نعرف من الحرب، معاركَ الصمود والتحرير، تلك التي صدّ فيها جيش التحرير الشعبي اعتداءات التهجير. ونعرف، رغم أننا لم نكن هناك، أننا في تاريخنا أسقطنا إتفاق 17 أيار 1983 مع حلفاء وطنيين آمنوا مثلنا بلبنان العربي والسيادي الحقيقي.

ونعرف، بل أجمل ما نعرف عن الحرب، نضالات وشهداء وتضحيات لأجل العودة والمصالحة. مسيرة طويلة بدأت من مؤتمر بيت الدين عام 1987 وصولا إلى المصالحة الكبرى عام 2001، يوم قال وليد جنبلاط للبطريرك صفير أن حروب الماضي ولَّت لغير رجعة. 


نحن نستذكر معاركنا التي خيضت لأجل السلام. نستذكر معركة سوق الغرب عام 1989 التي حققت ما يتخطى الانتصار العسكري وأتت بإتفاق السلم والسلام، بالطائف الذي نؤمن به مهما حاولوا تشويه صورته.

وحتى نستذكر اتفاق الدوحة التي ذهبنا إليها بعد أيار 2008.

والأهم أننا نعرف شهداءنا، نعرفهم أبطالا سقطوا لنحيا، ناصروا الشمس، آمنوا بالسلام، وما بدلوا تبديلا..

هذا باختصار ما نعرفه عن الحرب، والرسالة التي تعلمناها أن الحوار يبقى أقرب وأسهل وأفضل بكثير من كل التجارب المرة والقاسية والحروب.

هذا ما نعرفه. فماذا تعرفون؟