مع بدايات الثورة السورية كان الصوت خافتاً في السويداء، كان لما فعله نظام حافظ الأسد مع أبناء جبل العرب طيلة الفترة التي أعقبت تصفيته للقيادات الدرزية من المواقع الأساسية في الجيش، ابتداء من منتصف ستينيات القرن الماضي، بايناً حين انتفضت معظم المحافظات السورية بوجه بشار الأسد وتأخرت الثورة في السويداء. لم يكن ذلك إلا انعكاساً لسياسة التهميش والإقصاء التي اتّبعها نظام الأسد، الأب والابن، تجاه طائفة الموحدين الدروز في سوريا.
وحين اندلعت الثورة في سوريا عام 2011 أخذ بشار الأسد على عاتقه رفض القيام بالإصلاحات والتصدي لمطالب المتظاهرين باستخدام القوة وتبريره لذلك عبر شيطنة الثورة واستحضار نظرية محاربة الإرهاب واللجوء إلى رواية الأقليات. ساعده في تبني هذه السردية مجموعة من "مدّعي الفقه السياسي" لبنانيين، وغير لبنانييين، ساعدوه في استحضار لغة غطاء الأقليات، إضافة إلى مسار محاربة التكفيريين وشعار "حماية المقدسات". طبعاً هذا على المستوى النظري. أما عملياً فكان التدبير المُمنهج للاعتداءات التي طالت المسيحيين وكنائسهم في بعض المناطق كترجمة لتخويف المسيحيين من الأكثرية المسلمة، وكانت عمليات الخطف والاعتداءات ونشر الشبيحة لبثّ الفتنة بين جبل السويداء وسهل حوران في الجنوب السوري كترجمة لتخويف الدروز من محيطهم وعمقهم الإسلامي.
حينذاك أخذت الأميرة منتهى الأطرش على عاتقها مساراً مختلفاً، ف"السويداء جزء من سوريا، وحال شعبها حال كل السوريين، وليس صحيحاً أن أهل جبل العرب هم أقلية ومصلحتهم تكمن في البقاء مع النظام".
في تلك الفترة عملت الأميرة منتهى على تأكيد مشاركة أهل السويداء في الاحتجاجات التي عمّت الثورة، وكانت تترأس الوفود المشاركة في المظاهرات السلمية. لقد حضرت وشاركت في تشييع شهداء الثورة الذين قتلهم رصاص النظام، وكان صوتها وخطابها في القابون وبرزة ودوما حاضراً لتؤكد على انتماء الجبل لقضية كل السوريين. لقد زرعت منتهى هذا التحدي في نفوس السوريين والسوريات من أهل الجبل الذين يحفظون لها وقفتها ويرددون اليوم كل الذي كانت تقوله، ف "هذه الثورة لا مكان فيها لصراع بين أقلية أو أكثرية، بل هي ثورة لإنقاذ سوريا من فساد وقمع النظام، والكل يعرف تاريخ أهل السويداء، فهم لم يكونوا في يوم من الايام إلاّ بجانب الوطن بكل فئاته ضد أي ظالم. فهذه المنطقة تربت مع سلطان باشا الاطرش على القومية العربية والوطنية، والصراع الطائفي والمذهبي ليس سوى أداة يستخدمها النظام كورقة ليساوم من خلالها على بقائه".
لقد اكتشف بشار الأسد سر قوة أهل الجبل الذين ينزعون إلى الوحدة أمام المخاطر، وإلى نصرة الحق والمظلوم، فحاول أن يحاربهم من الداخل، مستخدماً في ذلك بعض أتباعه، من الذين تقودهم التبعية لكي يخرجوا عن وحدة الموقف الوطني والتاريخي والإسلامي للطائفة.
وهنا وقفت منتهى لتقول إن هؤلاء "ليس لديهم أي دور أو تأثير حقيقي على الصعيد الشعبي أو السياسي في السويداء، وهم لا يتعاطون إلا مع مَن هُم مِن أمثالهم وعلى شاكلتهم من الذين رهنوا أنفسهم لفساد وإجرام النظام، وهؤلاء ليس لهم صلة لا من قريب أو بعيد بتاريخ أهل جبل العرب وعنفوانهم وأصالتهم".
رحلت منتهى الاطرش. ولم يمت حلمها برؤية السويداء تنتفض وتنفض عنها كل أشكال التبعية والإلحاق، وتؤكد هويتها السورية العربية وعلى حرية وكرامة أهل جبل العرب، وهم اليوم يقفون في كل الساحات ويقولون لمنتهى "أنتِ بيننا".
تحية لك يا منتهى، أنتِ امتدادٌ لسلطان باشا الراسخ في هذا الشرق، وأنتِ الروح الغائبة والحاضرة في الثورة السورية المعاصرة في السويداء وكل سوريا!
* الاقتباس من حديث الأميرة منتهى الأطرش لـ"الموقع الإلكتروني للحزب التقدمي الاشتراكي" بتاريخ 17 شباط 2012