أعد المركز اللبناني للدراسات دراسة عن الزراعة في لبنان شملت تحديات هذا القطاع والفرص المتاحة فيه وتوصيات للنهوض به. وقالت الدراسة انه يمكن للقطاع الزراعي ان يساهم في تعافي البلد من الأزمة المالية. ولكن ثمة تحديات عدة تقف عائقاً أمام تطوير القطاع الزراعي، وذلك في تسعة مجالات رئيسية:
تحدّي القدرة التنافسية
تتصف الزراعة اللبنانية بمعظمها بارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب ارتفاع أسعار عوامل الإنتاج الزراعي بدءاً من التكاليف الثابتة، بما في ذلك إيجار الأراضي الزراعية، بالإضافة إلى الحيازات الصغيرة التي لا تستطيع الاستفادة من وفورات الإنتاج الكبير. وكان لهذه الأزمة الاقتصادية وقع كبير على الإنتاج الزراعي، ما قلّص حجمه، وذلك لأن المزارعين يعانون من نقص في الوقود، والأسمدة وغيرها من عوامل الإنتاج الزراعي. هذا الانخفاض في الانتاج الزراعي أدّى إلى انخفاض حجم الصادرات والقدرة التنافسية إزاء منتجات مماثلة تنتجها بلدان أخرى. فضلا عن ذلك، لا يستطيع المزارعون اللبنانيون منافسة المنتجات المستوردة الأقل سعراً.
تحدّي اليد العاملة
تستخدم الزراعة على نطاق واسع اليد العاملة المأجورة للقيام بأشغال الزراعة اليدوية الموسمية، فضلاً عن الإشراف على الإدارة اليومية للمزارع المملوكة إلى حد كبير للملاك الغائبين في معظم الأحيان عن مزارعهم بسبب عملهم وعيشهم في المدن الحضرية، حتى أن الكثير من المزارع الصغيرة تلجأ إلى استخدام اليد العاملة. أما العمل المتخصص، مثل تشغيل الآلات الزراعية وتقليم الأشجار فيسند عادة إلى العمال اللبنانيين الذين يمتلكون تلك المهارات بالتالي تتكوّن القوى العاملة بشكل أساسي من عمال موسميين ذوي مهارات متدنية، وهم في الغالب من الأجانب، ومعظمهم من التابعية السورية. وهذا ما يعيق قدرة المزارعين على تبني تقنيات جديدة وممارسات زراعية سليمة.
التحديات المالية
يواجه المزارعون اللبنانيون صعوبات في الحصول على القروض، ذلك ان القطاع المصرفي كان المصدر الوحيد للتمويل النقدي قبل الأزمة. وفي ما يتعلّق بالقطاع الزراعي، اعتمد نظام الائتمان على موردي عوامل الإنتاج الزراعي وتجار الجملة للتمويل العيني كالبذور والأسمدة وغيرها، الأمر الذي توقف في بداية الأزمة المالية بسبب تدهور قيمة العملة اللبنانية. وبات المزارعون يواجهون صعوبة متزايدة في الحصول على القروض للاستثمار في مزارعهم لتأمين الوقود وعوامل الإنتاج الزراعي بالدرجة الأولى، أو لشراء المعدات ولا سيّما أنّ التكاليف كانت غالباً بالعملة الصعبة، بينما مدخول المزارعين بالليرة اللبنانية. ونتيجةً لذلك، يعتمد المزارعون بشكل كبير على المساعدات الخارجية لتلبية احتياجاتهم، مثل الدعم العيني الذي تقدمه الجهات المانحة. ويرى القطاع المصرفي أنّ الزراعة هي عمل ينطوي على مخاطر عالية، وغير مضمون من حيث الإنتاج أو التسويق، الأمر الذي يجعلهم يترددون في دعم المزارعين. أما المصدر الوحيد للقروض، فكان برنامج «كفالات» الذي تم تعليقه خلال الأزمة.
صعوبات التوريد/ تحديات التسويق
تواجه سلسلة التوريد الزراعي في لبنان قيوداً أساسية، مثل قدرة المزارعين المنخفضة على التفاوض في عمليات التسويق والعمل التعاوني شبه الغائب. كذلك، تخضع سلسلة التوريد الزراعي لتأثيرات القوة السوقية غير المتوازنة، ومخاطر الممارسات التجارية غير العادلة (انعدام الثقة بين المنتجين والوسطاء، وانعدام الشفافية في أسواق الجملة في لبنان، وغياب التكامل والروابط داخل سلسلة التوريد، أي أن الإنتاج الزراعي غالباً ما يواجه مشكلة الجودة والتسويق). وأخيراً هناك عدم توافق العرض مع الطلب. توجد فجوة كبيرة بين المنتجين والمستهلكين، إذ أن الأصناف المنتجة ليست دائماً الأنواع التي يرغب فيها المستهلكون. فالمستهلكون اللبنانيون اعتادوا على أفضل المنتجات جودة، والتي هي أيضاً المنتجات الأكثر ملاءمة للتصدير.
عدم الإلتزام بمقاييس الجودة والكميات المطلوبة
يدرك وسطاء التصدير متطلبات الجودة التي تفرضها الأسواق الخارجية لتجنب إعادة الشحنات. لذلك، يعمدون إلى تقديم أسعار أعلى للمزارعين في مزارعهم مقارنة بموردي سوق الجملة المنتظمين الذين يستهدفون الاستهلاك المحلي. بيد أن العديد من القطاعات الفرعية للإنتاج الزراعي في لبنان، وجزءاً من صناعة الأغذية، تعاني من مشكلات سلامة الأغذية وجودتها بسبب نقص الاستثمار في هذه المجالات. أما في ما يتعلّق بمسألة الكمية، فإن لبنان ليس منتجاً كبيراً، وبالتالي فإن عدم القدرة على تقديم التزامات بكميات كبيرة غالباً ما يكون عائقاً آخر أمام الترويج للصادرات.
ضعف البنية التحتية الزراعية
وفقًا للإحصاء الزراعي للعام 2010 كان ما يقارب 47,000 هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة عرضة للإهمال، وهو ما يمثل أكثر من 20 في المئة من إجمالي الأراضي الصالحة للزراعة. وفيما وقعت بعض هذه الأراضي في دائرة الإهمال تدريجياً بسبب ارتفاع كلفة صيانة الأراضي (المدرجات الزراعية) والنزوح السريع من الأرياف الجبلية (36% في جبل لبنان)، فقد هجر الكثير من المزارعين في مناطق أخرى أراضيهم حيث كانوا يزرعون الحبوب البعلية وذلك بسبب انخفاض الإنتاجية والربحية، وخصوصا المناطق الأكثر جفافاً مثل بعلبك الهرمل، حيث تم التخلي عن 29 % من إجمالي الأراضي الصالحة للزراعة. وأخيراً، أجبر الاحتلال الإسرائيلي لأجزاء من جنوب لبنان، الذي طال أمده، عدداً كبيراً من المزارعين على هجر أراضيهم. وعلى الرغم من عودة الكثير من المزارعين إلى الجنوب بعد الانسحاب الإسرائيلي في العام 2000، لا تزال هناك مساحات كبيرة مهجورة حتى الآن، وما يقارب 25% من الأراضي المهجورة تقع في محافظة النبطية. كما أن النقص في الطرق الزراعية والسدود (بحيرات التلال) في المناطق الريفية يؤثر سلباً على القطاع الزراعي.
عدم كفاية خدمات الإرشاد والبحوث والتثقيف
لقد تم إدراج البحوث الإرشادية والتثقيف الزراعي في مثلث التنمية الزراعية لدى وزارة الزراعة والمؤسسات التابعة لها. ولكن تبقى البحوث الزراعية في عملية الإرشاد غير مطبقة، وتقف النتائج عند عتبة مراكز البحوث، بالرغم من دعم الجهات المانحة والمؤسسات المختلفة. أما المشورة المتعلّقة بالإنتاج الزراعي وممارسات ما بعد الحصاد، فيتم تقديمها من قبل موردي عوامل الإنتاج الزراعي، في حين يفتقر العاملون في الإرشاد الميداني إلى الخدمات اللوجيستية والحوافز، بالإضافة إلى عبء العمل الزائد بسبب نقص الموظفين. علاوة على ذلك، فإن الثقة مفقودة من جهة المنتجين، والخبرة غير كافية لإقناعهم.
الجانب السياسي
إن إمكانات التصدير محدودة بسبب تدني جودة المنتجات، ونقص الممارسات الزراعية السليمة، ومعايير السلامة، وأنظمة التتبع والتراخيص. وعليه فإن ما يعيق الوصول إلى الأسواق الدولية والاندماج في سلاسل القيمة العالمية هو غياب المقاييس والتراخيص. ومن ناحية أخرى، يعتمد لبنان على الطرق البرية عبر الجمهورية العربية السورية لتصدير المنتجات الزراعية إلى العراق ودول مجلس التعاون الخليجي. وفي أعقاب اندلاع الأزمة السورية في العام 2011 أدى الحدّ من صادرات الترانزيت عبر الحدود وعدم إمكانية الوصول إلى السوق السورية، إلى تعطيل طرق التجارة البرية الرئيسية المؤدية إلى أسواق الصادرات التقليدية في دول الخليج والعراق. إزاء ذلك، اضطر المصدرون إلى البحث عن أسواق وطرق تجارية بديلة، واستخدام خيارات شحن أكثر تكلفة. ونظراً لمحدودية فترة صلاحية المنتجات يُعتبر النقل البحري مناسباً لتصدير أنواع معدودة من المنتجات فقط، في حين أن نقل المنتجات القابلة للتلف عن طريق الجو تترتب عليه تكاليف باهظة، مما يشكل عائقاً أمام منتجات كثيرة.
تغير المناخ واستخدام الموارد الطبيعية
لمواجهة عواقب تغير المناخ، من الضروري اتخاذ التدابير اللازمة على جميع مستويات المجتمع، اليوم وفي المستقبل. وفي هذا الصدد، على السلطات المختصة في لبنان أن تتصدّى لظاهرة استخدام المبيدات والأسمدة الرخيصة الثمن والقوانين البيئية غير الملائمة، وصعوبة الوصول إلى المياه النظيفة المعالجة في الكثير من المناطق. كما يتعين تطوير المعلومات والمعرفة ومشاركتها مع جميع فئات المجتمع، سواء من خلال حملات التوعية بشأن تغير المناخ وتأثيره، أو بوضع أنظمة الإنذار المبكر، أو تعزيز الأنظمة القائمة بهدف تنبيه السكان والمستجيبين للتهديدات التي تشكلها الظروف الجوية القاسية. فزيادة القدرة على الصمود والتكيف تُعتبر أمراً أساسياً لا غنى عنه.
الفرص المتاحة في ظل الأزمة
وعن الفرص اكدت الدراسة أن الأزمة الاقتصادية أحدثت تأثيرات سلبية كبيرة على قطاعات عدة. مع ذلك، تتوفّر أيضاً فرص مختلفة يمكن الاستفادة منها لتشجيع القطاع الزراعي وتعزيزه. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ النقص في العملة الصعبة، الذي شكل عائقاً أمام استيراد المواد الغذائية، أتاح فرصةً ملائمة لدعم إنتاج المواد الغذائية المحلية بغية تلبية الطلب المحلي. ولكي تتحقق هذه الفرص، يتعين أن تكون مصحوبة بمبادرات خاصة لدعم صغار المزارعين، وتحسين إمكانية الحصول على التمويل وعوامل الإنتاج الزراعي، بالإضافة إلى الاستثمار في البنية التحتية، مثل أنظمة الري ومرافق التخزين.
الإستفادة من المنتجات ذات الميزة التفاضلية
توفّر الأزمة الراهنة فرصاً عدة مرتبطة بالميزة التفاضلية لبعض المحاصيل والمنتجات الغذائية الزراعية، ولا سيّما لجهة تسعيرها وقدرتها التنافسية في السوق العالمية. شهد الإنتاج الزراعي زيادة في تجارة الفواكه والخضروات والمنتجات الغذائية. بالتالي، يمكن أن تتوفّر للمستثمرين إمكانية إنتاج المنتجات الزراعية والمنتجات الغذائية الزراعية التي تمثل ميزة تفاضلية مثل الصناعات الجديدة، والمزارع المتخصصة، والنبيذ، ومنتجات الأسواق المتخصصة الأخرى. ومن الحالات الناجحة في هذا المضمار ازدهار صناعة النبيذ في مناطق مختلفة من لبنان، وتطوير زراعة الكروم، حتى في المناطق العقارية الأعلى كلفة، حيث تُقدّم المشاريع السياحية أو التجارية إمكانات عالية.
تعزيز الإبتكار والتكنولوجيا
من المؤكد أن قطاع الابتكار والتكنولوجيا ساهم على مدى السنوات القليلة الماضية، في استحداث طرق جديدة للزراعة بدأت تحلّ محلّ عوامل الإنتاج التقليدية، مثل الأسمدة والمبيدات، بفضل توفّر حلول بديلة كالزراعة العضوية والزراعة الدقيقة. بالتالي يمكن أن توفّر الأزمات للمزارعين اللبنانيين، الحوافز اللازمة لاستكشاف هذه التقنيات وغيرها مثل استخدام الطائرات المسيرة وأجهزة الاستشعار، وذلك للحد من اعتمادهم على عوامل الإنتاج المستوردة التي يتم شراؤها بالعملة الصعبة، ما يُحسّن الكفاءة والإنتاجية في القطاع الزراعي. ويمكن أن يساعد التعاون مع مزوّدي التكنولوجيا والشركات الناشئة والمبتكرين (خصوصا في المناطق الريفية) في إدخال ودمج التقنيات المتطورة في الزراعة. كذلك، يمكن للمزارعين الاستفادة من المكننة، وتحليلات البيانات، وحلول الزراعة الذكية التي تساهم في تحسين استخدام الموارد ورفع جودة المنتجات.
دور المنظمات الدولية والمحليّة
نتيجة الوضع الراهن، سارعت المنظمات الدولية إلى إنشاء مشاريع وبرامج «النقد لقاء العمل» التي تنفّذها وتُعِدّها المنظمات غير الحكومية في جميع أنحاء البلاد، بغية توفير فرص عمل قصيرة الأمد للأفراد من الفئات الهشة من الجنسين، والسكان المحليين والأجانب على حد سواء، من أجل مساعدتهم في توليد الدخل وتلبية احتياجاتهم الغذائية. وهذا التدخّل ربما يمكن أن يساعد في رفع مستوى جودة المنتجات اللبنانية، وتحسين قدرة الفقراء على الصمود من خلال إنتاج منتجات متخصصة للتصدير (مثل المنتجات العضوية والتجارة العادلة والممارسات الزراعية السليمة).
بالإضافة إلى ذلك، أطلقت الحكومة استراتيجية خاصة استنادا إلى منصة impact. وعلى الرغم من أن هذه الآلية ستتطلب تعاوناً كبيراً داخل الحكومة، يمكن للحكومة أن تتعاون مع منظمات المجتمع المدني وتبني على الجهود والإنجازات التي سبق أن حققتها هذه الجهات، ومن الأمثلة على ذلك، التنسيق المشترك بين الوكالات في قطاعات مختلفة، من بينها جهود الأمن الغذائي والزراعة بقيادة وزارة الزراعة وبمشاركة منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، وبرنامج الأغذية العالمي، والمنظمات غير الحكومية الأخرى العاملة في هذا القطاع.
توصيات
على الرغم من التحديات التي يواجهها القطاع الزراعي، تُبذل الجهود للمساعدة على استدامة هذا القطاع عن طريق عدد من المبادرات الممولة محلياً، بالإضافة إلى الأموال الخارجية من الجهات المانحة الدولية (مثل الصندوق العربي، ومنظمة الأغذية والزراعة، وبرنامج الأغذية العالمي، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، والاتحاد الأوروبي)، وقرض مرتقب من البنك الدولي بقيمة 200 مليون دولار أميركي. تعمل هذه المبادرات على دعم المجتمعات المحلية في الممارسات الزراعية، إضافة إلى تحويل وتحسين سبل العيش. فهي توفّر للمزارعين والمؤسسات الصغيرة برامج التدريب وبناء القدرات والمعدات والدعم المالي. وفي حين أن بعض المبادرات تهدف إلى زيادة إنتاج المواد الغذائية الأساسية لتلبية الطلب، لا تزال البرامج القائمة لدعم المزارعين والمستهلكين غير مستدامة اقتصاديا في معظمها.
وبغية اغتنام الفرص ومواجهة التحديات التي تطرحها الأزمة، تقدم الدراسة التوصيات التالية التي تندرج ضمن أربعة مستويات من التدخل، الإنتاج، والتسويق، والتنظيم، وصنع السياسات.
على مستوى الإنتاج
أ. بناء القدرات: من المهم بناء قدرات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تعمل على امتداد سلسلة القيمة الغذائية للوصول إلى نظام غذائي مستدام. ويعتمد هذا الأمر على وضع برامج مصمّمة خصيصاً كي تلبي احتياجات جميع الأطراف المعنية وتجد حلولاً لمشكلاتها على امتداد السلسلة، مع مراعاة مهارات العمال والأصول المالية المحدودة لتطبيق التغييرات المقترحة. ولا بدّ من التركيز بشكل خاص، على ممارسات المعالجة لفتح قنوات تسويق جديدة، والحدّ من خسارة المنتجات غير المباعة. كذلك الأمر بالنسبة إلى الممارسات الزراعية الجيدة وممارسات ما بعد الحصاد السليمة، التي تعتبر هامة للحد من الخسائر النوعية والكمية، ومن الضروري أيضا التركيز على العمل التعاوني، الذي من شأنه أن يساعد المنتجين على خفض تكاليفهم وتسهيل وصولهم إلى المعدّات المشتركة وقنوات التسويق. ويتوجب على المنظمات العاملة في القطاع مواءمة جهودها تفادياً للازدواجية، والانخراط في مساعي مشتركة مع القطاع العام من أجل ضمان استدامة أعمالها. وتجدر الإشارة إلى أن الهيئات العامة الرئيسية في هذا الإطار هي مراكز الإرشاد الزراعي التي تديرها وزارة الزراعة، والتي تقع ضمن أكثر من 28 منطقة في جميع أنحاء لبنان، ويعمل فيها عدد من الفنيين والمهندسين الزراعيين.
ب البنية التحتية: نظراً للقيود المالية التي تمنع الحكومة من الاستثمار في إعادة تأهيل البنية التحتية القائمة أو إنشاء بنى تحتية جديدة، مثل قنوات الري، وتحسين إمكانية الوصول إلى المياه ذات النوعية الجيدة يتعين على الجهات المانحة العمل على نطاق صغير لتكون مصادر المياه واختبارات التربة سهلة المنال وبأسعار معقولة. ورأى الخبراء الذين تمّت استشارتهم في هذه الدراسة أن دور البلديات أصبح ضروريًا في هذه التدخلات المحلية، إلا أن البلديات تواجه هي أيضًا صعوبات مالية. لذلك، يجب أن تأخذ التدخلات في الاعتبار أهمية إشراك مختلف الجهات المعنية المحلية، وتعزيز دورهم وإتاحة الفرصة لهم ليكونوا فاعلين لإحداث التغيير في مجتمعاتهم. ومما لا شك فيه أن تعزيز دور التعاونيات وعملها مهم في هذا الإطار.
ج. التمويل: إن الحصول على التمويل هو الجانب الأهم والأكثر صعوبة في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة. ولكن الأموال التي تُستثمر في التنمية تفتقر إلى البرامج التي تضمن التسهيلات الائتمانية الصغيرة وبالتالي، يواجه المنتجون تحديات كبيرة لشراء مستلزمات الإنتاج الزراعي والمعدات الزراعية ذات النوعية الجيدة وتسديد تكاليف الطاقة والوقود، كما أنهم يفتقرون أيضًا إلى استراتيجية تسويقية خاصة بمنتجاتهم. لذلك، يتعين على المنظمات ومراكز البحوث، بالإضافة إلى وزارة الزراعة ووزارة الصناعة ووزارة الاقتصاد والتجارة بذل جهود مشتركة لإعداد دراسات قائمة على تحليل التكلفة والأرباح، وفرص التسويق المحلية والدولية بغية تحديد المنتجات المحتملة ذات الميزة التفاضلية وضمان وفورات الإنتاج الكبير من دون الحدّ من الأمن الغذائي المحلي. ولا بد أن تأخذ الدراسات في الاعتبار تحليل نظام الزراعة من أجل تشجيع أنظمة الزراعة المستدامة الملائمة في ما يتعلّق بالأنواع والأصناف، وتسلسل المحاصيل، والطابع الموسمي. عندئذ، تستند برامج الإقراض والتمويل إلى دراسات اقتصادية سليمة تستهدف المنتجات المحتملة، وتتيح حرية الوصول للوكالات الإنمائية والجهات الفاعلة في مجال التنمية.
على مستوى التسويق
في السياق الراهن، يمكن القول إن المنتجين هم الذين يحصلون على الحصة الأصغر، بينما يتحكّم التجار بأسعار السوق، ويدفع المستهلكون ثمن المنتج النهائي من دون أي رقابة على الجودة. ويفتقر المنتجون إلى إمكانية الوصول إلى مرافق التخزين المبردة ليتسنى لهم تخزين منتجاتهم وضمان فترة صلاحية طويلة والحد من الخسائر، وإطالة فترة التسويق، والبحث عن قنوات تسويق جيدة. كذلك، لا بد أن تتوفّر لهم إمكانية الوصول إلى مرافق الفرز والتوضيب بغية تحقيق قيمة مضافة لمنتجاتهم. ويمكن التنويه بمبادرات ناجحة للقطاع الخاص في هذا الإطار، لكن المرافق الميسورة التكلفة التابعة للتعاونيات الزراعية ليست مجهزة ولا تعمل بشكل جيد. ومع ذلك، تتمثل إحدى الحالات الناجحة في الدعم الذي تقدمه إحدى المنظمات الدولية لإنشاء تعاونية للمزارعين مجهزة بمنشأة للفرز والتخزين المبرد في البقاع، ما يُسهل تصدير الكرز والفواكه الأخرى إلى أوروبا. ويشير ذلك إلى أهمية العمل التعاوني الذي يقع ضمن اختصاص المديرية العامة للتعاونيات في وزارة الزراعة إلاّ أنَّ الميزانية منخفضة للغاية على غرار جميع المؤسسات العامة الأخرى. أما الوزارات المعنية التي يمكنها التخطيط الاستراتيجي للسوق بمساعدة مالية من الجهات المانحة فهي وزارة الزراعة ووزارة الاقتصاد والتجارة. لا يمكن الاستفادة من الفرص المتاحة من دون تعاون وثيق بين الوكالات الحكومية والهيئات التنظيمية، ولا سيّما وزارة الزراعة ووزارة الصحة، اللتين يتعين عليهما وضع وإنفاذ مقاييس الإنتاج والتصنيع وتوسيم المنتجات المحتملة مثل النبيذ وزيت الزيتون والفواكه والخضروات. وهذا يستدعي التعاون مع مؤسسات البحوث والتطوير الزراعية، والأقسام الجامعية المعنية التي يمكن أن تسهم في تحسين تقنيات الإنتاج وتوفير التدريب والمساعدة الفنية للمزارعين.
على المستوى التنظيمي
لا بدّ من تسهيل الزراعة التعاقدية كنهج بالغ الأهمية، بالإضافة إلى إطلاق حملات توعية لتوجيه العلاقة بين المستثمر والمزارع، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بصغار المزارعين الذين يساهمون بنسبة تصل إلى 70-80 % من الإنتاج الزراعي. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن القوانين التي ترعى هذه العلاقة قديمة وتحتاج إلى تحديث كذلك، علينا إعادة تنظيم إجراءات وزارة الزراعة والبلديات ودورها في ما يتعلّق بأسواق الجملة، وذلك لضمان أسعار عادلة، وحماية حقوق المزارعين، فضلا عن تحديد عوامل الإنتاج البديلة ذات الجودة العالية والاستثمار فيها للإنتاج المحلي، بما في ذلك البذور والمعدات البلاستيكية. ويتمثل أحد التحديات الرئيسية في إنشاء منصّة للتشاور والتنسيق بين الجهات الفاعلة المحلية، مثل الوزارات والمؤسسات البحثية والمنظمات والقطاع الخاص، بالإضافة إلى الجهات الفاعلة الخارجية مثل المنظمات والمؤسسات الدولية. وأخيراً، بغية تعزيز العلاقة بين المزارعين والمستهلكين لناحية جودة المنتجات وسلامتها، تبرز الحاجة إلى اتخاذ بعض الإجراءات لتحسين وإنشاء وحدات فعّالة للتوضيب والتوسيم، بالإضافة إلى دعم تصدير المنتجات الزراعية لضمان العائدات النقدية للمنتجين وزيادة أرباحهم، ومراقبة الأسعار، وصولاً إلى إرساء قطاع منصف للمنتجين والتجار والمستهلكين على حد سواء.
على مستوى صنع القرارات والسياسات العامة
يتعين استكمال عملية تحديث السياسات والقوانين الزراعية بسبب التحولات البنيوية، والتي بدأت في العام 2019. فقطاع الزراعة والأغذية الزراعية يشهد نمواً متزايداً على صعيد الإنتاج والاستثمار وحصّته في الناتج المحلي الإجمالي. بالتالي، علينا وضع جدول زمني محدّد بدقة للاستيراد والتصدير، وذلك من أجل حماية الإنتاج المحلي تحت إشراف وزارة الزراعة مع مراعاة الاتفاقات الثنائية والإقليمية.