تشهد الثروة البترولية في لبنان تطورات متلاحقة على صعيدن الأول لوجستي يتمثل بمباشرة الحفر في البلوك 9، ثم "تلزيم" المسح الزلزالي في البلوك 8. وترجيح تمديد مهلة دورة التراخيص الثانية، مدفوعاً بعودة الشركات للاهتمام بها. والثاني سياسي إداري، يتمثل بتحريك ملف الحدود البرية مع زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، ما يوفر ضمناً حلاً للنقطة البرية للترسيم البحري. وليبقى التطور المهم هو حديث جدي عن التحضير لطرح مشروع قانون لإنشاء شركة النفط الوطنية.
بانتظار تحقيق اكتشاف بترولي في البلوك رقم 9 خلال الأشهر الثلاث المقبلة، اتجهت الأنظار الى البلوك رقم 8 المجاور. حيث أعلن وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض عن منح رخصة استطلاع لشركتي "برايت سكايز" و"جيوكس" المصرية للقيام بمسح زلزالي ثلاثي الأبعاد التكافل والتضامن. وقد أثارت الإتفاقية بعض التساؤلات المتعلقة أولا، بحداثة عهد الشركة المصرية بأعمال المسح، وعدم اهتمام الشركات الكبيرة، خاصة التي عملت سابقاً في لبنان. وثانياً صلاحية الوزير بمنح الرخصة. خاصة في ظل قول رئيس هيئة الشراء العام جان العلية "أن توقيع قرار الرخصة لم يُعرَض على هيئة الشراء العام وبالتالي لا أعرف ما هو سنده القانوني".
صلاحية الوزير والقانون
"طاقة الشرق" حملت التساؤل الثاني إلى مرجع قانوني رسمي، متابع للملف، فقال: حسب علمي، سيتم نشر قرار الرخصة في الجريدة الرسمية قريباً. ويوضح أنه بعد صدور المرسوم 10289/2013 (مرسوم الأنظمة والقواعد المتعلقة بالأنشطة البترولية) والذي يشكل مجموعة مراسيم تطبيقية لقانون الموارد البترولية في المياه البحرية (132/2010). تم إرساء قاعدة رخصة الاستطلاع لإجراء مسح زلزالي خارج نطاق اتفاقية الاستكشاف والإنتاج. فالقانون رقم 132، تضمن في مادته الحادية عشرة التي تحمل عنوان "رخصة الاستطلاع"، إعطاء وزير الطاقة والمياه صلاحية منح رخص استطلاع غير حصرية مدتها ثلاث سنوات كحد أقصى. وإنفاذًا للمادة 11، تضمنت المراسيم التطبيقية، فصلاً كاملاً (الفصل الثاني) عن رخصة الاستطلاع يتألف من عشر مواد مفصّلة. وهي تعطي الحق لأي شركة متخصصة أن تتقدم بطلب للحصول على رخصة استطلاع الى وزير الطاقة والمياه مع نسخة الى هيئة إدارة قطاع البترول. مع شروط واضحة، تتضمن على سبيل المثال تسديد رسم قدره 20 ألف دولار إلى خزينة الدولة. وشرح مفصل لخطة المسوحات والمؤهلات التقنية لمقدِّم الطلب وخبرته، والمعدات والمراكب والبواخر المقترح استخدامها لتنفيذ الأنشطة، ووثائق التغطية التأمينية، كمعلومات حول الأثر المحتمل للأنشطة المنوي تنفيذها على البيئة والتدابير التخفيفية، وتقييم المخاطر الخ...
ويذكر أنه سبق للدولة اللبنانية أن عقدت بموافقة مجلس الوزراء اتفاقيات مسوحات زلزالية متعددة الزبائن مع شركتي "بي جي اس" (النروجية – الأميركية) و"سبكتروم" البريطانية (تم الاستحواذ عليها مؤخرًا من قبل شركة "تي جي إس"). وتنص هذه الاتفاقيات على قيام الشركات بعلميات المسح على حسابها من دون أن تتحمل الدولة أي تكاليف. بل بالعكس تتقاضي الدولة حصة من عائدات بيع البيانات (داتا) المسوحات للشركات المهتمة بالاستكشاف والانتاج. ويشار إلى أن حصة الدولة من بيع تلك الداتا بلغت حوالي 47 مليون دولار أودعت في حساب لدى مصرف لبنان.
المجال مفتوح لشركات أخرى
وتقول مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط لوري هايتيان أن "الدولة اللبنانية قامت على مراحل بمسوحات ثنائي وثلاثي الأبعاد على 80 في المئة من المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية، والنسبة غير الممسوحة ومنها الجزء الأكبر من البلوك 8، كان تقع ضمن مناطق متنازع عليها لا يمكن لسفن المسح العمل فيها. ولكن مع إبرام اتفاقية الترسيم التي ثبتت ملكية لبنان لهذا البلوك، بات ضرورياً استكمال المسوحات. وتضيف أن إطلاق إسرائيل لجولة التراخيص الرابعة التي تتضمن zone E، يشكل عاملاً إضافياً لتسريع القيام بالمسوحات في في البلوك 8، لمعرفة المخزونات المحتملة فيه".
يشار هنا إلى أنه وفقاً للمادة 14 من المرسوم التي تحدد شروط الرخصة التي يمنحها الوزير، فقد ألزمته أن يحدد في الرخصة الأحكام والشروط التي بموجبها يمكن لصاحب الرخصة بيع أو تحويل البيانات. وان يحدد حصة الدولة من عائدات بيوعات تراخيص البيانات للشركات المهتمة. ويتم اقتسام العائدات بين الدولة والشركة صاحبة رخصة الاستطلاع وفقًا لمراحل استعادة الكلفة التي تتكبدها الشركة.
وحول ما يقال بشأن خبرة الشركة المصرية، يؤكد المصدر أن القانون والمراسيم التطبيقية تعطي الحق لأي شركة لديها الرغبة في المشاركة أن تتقدم بطلب الحصول على رخصة استطلاع ثانية فالفرصة لا تزال متاحة أمام الجميع.
الترسيم البري ودورة التراخيص الثانية
بالتزامن، وبعد 10 أشهر على إنجازه مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، عاد هوكشتاين الى بيروت، ليس للإحتفال فقط بمباشرة منصة الحفر عملها في البلوك رقم 9، ولكنه يحمل في جعبته تصوراً شبه متكامل يتعلّق بالحدود البرية بين لبنان وإسرائيل. ويقوم بشكل أساسي على تثبيت النقاط الحدودية العالقة ما سيفتح الباب أمام حسم النقطة البرية التي ينطلق منها خط الترسيم البحري، ويضع حلاً نهائياً لمشكلة ما يعرف بخط الطفافات أو العوامات. وهو الأمر الذي يزيل التوترات الناجمة عن الخروقات الإسرائيلية، ويخلق قدراً أكبر من الاستقرار الأمني والسياسي على جانبي الحدود.
وتبدي مصادر متابعة تفاؤلها بأن تؤدي هذه التطورات إلى تحريك ملف دورة التراخيص الثانية التي لم تحقق أي نتائج حتى رغم تمديده أكثر من مرة. وتعتبر أن تمديد الدورة مرة جديدة مطلع شهر تشرين المقبل، قد يحمل تغييراً مهماً لناحية تقدم عدد من الشركات سواء تلك المكونة للكونسورتيوم العامل القائم حالياً (توتال، إيني، قطر للطاقة) أو شركات جديدة.
*المصدر: طاقة الشرق