ما عاد للأحلام حدودٌ في زمن الذكاء الاصطناعي... حتى الموتُ لم يعد النهاية. فها هو صوتُ أمّ كلثوم يصدح من جديد بأغنية جديدة عبر هذه التقنية، وسط ترحيب البعض وانزعاج آخرين ممّن يعتبرون أنه تعدّ على الذاكرة الفنية. الجدلُ سيستمر وسيتشعّب طالما نحن ماضون في هذا المسار، خصوصا أننا لا نزال في بداية الطريق...
تخيّلوا معي أنكم فقدتم أمّا أو أبًا أو إبنةً أو حبيبًا أو صديقًا، وأنكم وبكبسة واحدة بتّم قادرين على سماع صوته من جديد، من خلال الذكاء الاصطناعي... تخيّلوا أنكم قادرون على سماع نصيحةٍ أو تشجيعٍ أو كلاما اشتقتم له لعزيز متوفٍّ... تخيّلوا شابا يسمعُ في يوم زفافه كلاما لوالدته المتوفّاة، حلم به وكتبه بنفسه... تخيّلوا شابة تصغي بعيون تملؤها الدموع إلى صوت والدها المتوفّي في يوم تخرّجها عبر كلام صاغته بواسطة الذكاء الاصطناعي...
تخيّلوا فتاة تختار أيّ أغنية تريد سماعها بصوت والدتها المتوفّاة... كلّ ذلك قد لا يبقى وهمًا أو حلمًا في القريب العاجل، ولكن ماذا ستكون عليه الصحة النفسية لهؤلاء؟
يؤكد الاختصاصي في الأمراض العقلية والنفسيّة الدكتور وائل سلامة أنه في حال وصلنا إلى هذه المرحلة بإحياء أصوات الموتى، فإن سلبياتها ستكون أكثر بكثير من الإيجابيات لأننا سنعيد إحياء الرابط العاطفي مع هؤلاء الأشخاص، وبالتالي لا يمكننا أن نعرف أبدا ما هي الحدود لذلك لأن الإنسان لا يمكنه السيطرة على دماغه طوال الوقت.
ويشرح سلامة، في حديث لموقع mtv، أن الإنسان بطبيعته اناني، ولن يردعه شيء حينما يبدأ باستعادة أصوات الأشخاص الذين فقدهم، وهنا سيكون امام حالة خطيرة جدا، بين الواقع الخيالي الذي خلقه والواقع الواقع، لتصبح الحقيقة على شكل "yo yo" تضغط على الدماغ، لأنه سيفرح بتلك اللحظة عند سماعه لما يرغب به، ولكنه لاحقا حينما يعود إلى الوعي الكامل الذي يقول إن هذا الشخص متوفّ، ستتفاقم حالته.
يوضح سلامة أن اختيار الذكريات الجميلة التي نريد استرجاعها، والاصوات التي اشتقنا إلها، يعيد إحياء شخص أو كيان غير موجود في دماغنا، ما يخلق تعلّقا بحالة غير واقعية، ما يؤدي إلى مشكلات بالتواصل مع الأشخاص الموجودين حولنا، وبالتالي فإن استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الصحة النفسية إنما هو أمرٌ فائق الخطورة.
منذ فترة، انتحر شابّ لأنه اعتقد أنه سيموت بعد سنتين وفق جوابٍ أتاهُ من الذكاء الاصطناعي...
أحياء يموتون بكسبة زرّ، وموتى يتكلّمون بكبسة زر، هو واقعٌ مُرعب للبعض لكنه أيضا أقصى ما يحلُم به كثيرون...