Advertise here

إسكندر بشير والطائفية السياسية

21 حزيران 2019 12:30:29

لأن الخوف والشر وجهان لعملة واحدة، يستدعي التفكير في واحد منهما، التفكير في الآخر، فإن هذة القاعدة، إنما تفضي إلى مناقشة فكرة الطائفية السياسية في لبنان، جذورا ومآلات. بكل مخاطرها وأفكارها وأهوالها، منذ عهد الإمارة، وحتى اليوم. وذلك عبر مساءلة الجوانب الشائكة للمخاطر الكبرى التي أدت إلى الحروب، التي أنتجت موجات التهجير، وباتت تتناسل من بعضها، وتجعل الخوف سائلا، وتجعل الشر مستداما، لتغدو فيه، كما قال أحدهم: "مصائب قوم عند قوم فوائد."

فالخوف والشر، هما وليدا هذة "الحياة السائلة". التي تجعلهما إفرازا عضويا لظاهرة أهم، هي الطائفية السياسية، التي أسست لصناعة الحروب،التي تمكنت من إستثمار الإحساس والهلع والفزع، لتحقيق المزيد من المكاسب والأرباح. 

والظاهر أن هذة المسألة، كانت وليدة السلطة النوعية الحاكمة، التي سجلتها سيطرة إقتصاد السوق، البارع في إنتاج وإبداع المزيد من المستهلكين الوجلين والمفزعين والمعوزين، عبر إستخدام آلة التسويق الضخمة، والدعاية الكبيرة التي يستثير بها إحساسات وغرائب اللبنانيين.

يتصدى د. إسكندر بشير،مؤلف كتاب: " الطائفية في لبنان، إلى متى؟ ( المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر- بيروت 2006)،لقضية الطائفية التي تواجه لبنان،بشكل موضوعي، طارحا خيارات وآليات ذات آفاق، تستوعب  التغييرات التي حدثت، وتسهم في عمليات التغيير المطلوبة، على الأصعدة السياسية والإقتصادية والإجتماعية،   في إطار من التوجه السليم، نحو قيام  الدولة اللاطائفية، دولة المؤسسات وسيادة القانون.
في مقدمة وخمسة فصول وثلاثة ملاحق(ص97-152) هي: 1- وثيقة الوفاق الوطني. 2- الدستور اللبناني. 3- المعاهدة اللبنانية السورية، يقع كتاب د. إسكندر بشير. وهو كتاب أكاديمي توثيقي مستقبلي: (160ص)، من القطع الوسط.

يشرح المؤلف في مقدمة الكتاب(5-12)، أن الطائفية في لبنان هي  العنوان الأبرز، وأن "وثيقة الوفاق الوطني(1989)"، أول ما تصدت لها من خلال " الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية". غير أن هذة الهيئة لم تشكل. وظل موضوع تجاوز الطائفية مطلبا وطنيا منذ نيل الإستقلال، حتى اليوم. أي منذ حكومة رياض الصلح الإستقلالية سنة1943، حتى حكومة رفيق الحريري الأولى، العام 1992.

وقد شهد لبنان خلال نصف قرن، أي بين هاتين الحكومتين، محاولات عديدة للإستثمار بالخوف من جهة، والحرب والشر من جهة أخرى، من خلال الإشتغال على موضوع الطائفية المتجذرة، والتي تنادي الحكومات، لا بل تستجديها، لوضع علاج لها، دون أن تصل إلى حلول ناجزة، حتى بعد ولادة " الجمهورية الثانية"، والتي قالت من خلال مواد الدستور الجديد المبني على روحية إتفاق الطائف، بإلغاء الطائفية، وأكدت بالتالي مبدأ الإلغاء في خطوات إنتقالية، وفي إقامة آلية لوضع خطة مرحلية.

ويقول د. إسكندر بشير: وفاقا لذلك، باتت الدولة ملزمة منذ صدور التعديلات الدستورية الجديدة، بالعمل لتجاوز الطائفية السياسية والإدارية، وفق القنوات الدستورية والقانونية المرسومة له. 

ولأن كل شيء تعطل على هذا الصعيد، نراه يطرح مجموعة من الأسئلة المشروعة:  عن عملية تجاوز الطائفية وفي أي مجالات، ووفق أية برامج وأولويات، وكيف تتخذ القرارات، وما هي الوسائل التنفيذية، وكيف تقيم نتائج الإجراءات المتخذة، وما وراء إلغاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية وتعطيل عمله. وما تأثير ذلك على مستقبل إلغاء الطائفية  والنظام الديمقراطي؟ 

 ولأن مثل هذة الأسئلة، تشكل هواجس اللبنانيين اليومية، بادر د. إسكندر بشير، لقراءتها والرد عليها بالمنهج العلمي الأكاديمي الموصوف. آخذا بعين الإعتبار الإستناد  إلى الإحالات التاريخية والوثائقية، منذ حكومة  الإستقلال، وحتى ما بعد حكومة رفيق الحريري الأولى العام 1992، كما ذكرنا سابقا.

3- نظر د. بشير  في الآلية المخولة: "الهيئة الوطنية"؛ في خطتها المرحلية للإلغاء، والخيارات المتاحة لها، متحدثا عن تكوين الهيئة الوطنية وإختصاصاتها، وأنشطتها المرحلية والوسائل والطرق الكفيلة للإلغاء، وهي تقع في بنود كثيرة. وتحدث أيضا عن تثبيت العرف دستوريا. وعن إمكانات الإجتهاد الواسعة في ذلك. وأن الإلغاء لن يكون بالكلية، قائلا بالإلغاء شبه الكامل والإلغاء المتقدم، والإلغاء المتوسط والمرن والإلغاء الجزئي، والإلغاءالمحدود. 
 
وقد توقف د. إسكندر بشير عند طرق ووسائل إلغاء الطائفية، بالتربية والتنشئة الوطنية والفصل بين المناصب العامة والمجالس الطائفية، وإصدار التشريعات الجديدة ضد التمييز والتفرقة بين اللبنانيين. وإتباع سبل الإصلاح الإداري والتدريب، بإستخدام الإعلام لذلك.( ص43- 53).

  وبرأي مؤلف كتاب "الطائفية في لبنان إلى أين"، فإن النظام الدستوري الجديد، واجه إشكالات كثيرة مثل: إثقاله بالمشكلات السابقة لصلاحيات رئيس الجمهورية مثلا، ودور المجلس النيابي وقوة شخصية بعض الرؤساء، ومعاناة السلطات مع النظام الدستوري الجديد في السلطة الإجرائية ومجالات رئيس الجمهورية فيها. ومجال رئيس الحكومة، ومجال السلطة التشريعية. وقد آل ذلك إلى تعزيز صلاحيات المجلس التشريعي، وتنظيم السلطات الإجرائية، على رغم  الوقوع في إشكالية التطبيق. إذ برزت الدعوة إلى تعزيز دور المؤسسات وتوازنها، بدلا من الأفراد والتوازنات الطائفية، لتصحيح بعض الخلل في عمليات التطوير السياسي والتشجيع على تكوين الأحزاب السياسية والكتل النيابية(ص69-80).

تفحص د. بشير أولا، واقع وتطور نظام الطائفية السياسية والإدارية في ضوء النصوص الدستورية والقانونية النافذة حكما والمماطلة واقعا. متوقفا عند تحديد مصطلح الطائفية، ومعنى الألغاء، وطبيعة فضاء النظام الدستوري، وإشكالية مقولة " النصوص والنفوس"، ليتحدث بعد ذلك عن النصوص والأعراف الطائفية، إن في المجال السياسي وتوزيع المناصب الرئاسية الثلاثة، وفي تأليف الوزارة، وفي تأليف المجلس التشريعي. ثم نراه ينتقل للحديث عن المجال الإداري، مقتبسا: " بصورة مؤقتة، وإلتماسا للعدل والوفاق، تمثل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة، وفي تشكيل الوزارة، دون أن يؤول ذلك إلى الإضرار بمصلحة الدولة"( ص21). ثم يفصل الحديث عن ضرورة إعتماد مبدأ المباراة، وإستبدال الإمتحانات بالمباراة، والتراجع إلى مبدأ المباراة، مقرونا بالتوازن الطائفي( ص- 28).

يتحدث عن وثيقة الوفاق الوطني ونتائجها. وكيف سلك الطريق إلى "إتفاق الطائف"، بعد إعلان " الوثيقة الدستورية" عام 1975،وبعد مؤتمر الحوار الوطني في لوزان بجنيف في العام 1983،وجهود المملكة العربية السعودية، وإنجاز "إتفاق الطائف" في تشرين الأول، الذي صادف عيد الإستقلال من العام1983 وتصديق المجلس النيابي عليه في قاعدة القليعات، في الخامس من تشرين الثاني العام1989. وقد أورد لنا بنود  "وثيقة الوفاق الوطني"، بشأن المجلس النيابي، وبشأن إلغاء الطائفية السياسي وبشأن الخطوات الأنتقالية: مثل إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي وإلغاء ذكر الطائفة والمذهب عن بطاقة الهوية. وذكر بالتعديلات الدستورية التي أفرز تها " وثيقة الوفاق الوطني" ، بإستخدام مجلس شيوخ مع إنتخاب أول مجلس نواب وطني لا طائفي.(ص29- 42).