ما كان متوقعاً حصل على خطوط التواصل بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ. تجدُّد الحوار بين الطرفين يأخذ منحى متسارعاً. ارتفعت وتيرته على إيقاع زيارة المبعوث الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان. ما ساهم في تسريع وتيرة الإنسجام بين باسيل والحزب هي نتائج الإجتماع الخماسي في الدوحة، والذي عمل على تطويق المسعى الفرنسي المتفرد وأعاد طرح المواصفات. الأمر الذي تلقفه الثنائي الشيعي بسلبية معتبراً أن ما جرى هو محاولة للقفز فوق ترشيح سليمان فرنجية أو مبادرة باريس الأساسية. كما تلقفه باسيل بريبة لناحية أن المسار القائم سيؤدي في النهاية إلى تعزيز حظوظ وفرص وصول قائد الجيش جوزيف عون لرئاسة الجمهورية، علماً أن أوساط التيار الوطني الحرّ تعتبر أن وصول فرنجية أهون من وصول جوزيف عون، وهذا رهان أساسي كان لدى حزب الله لاستعادة باسيل.
إجابة معلّقة
قبل الدخول في التفاصيل، لا بد من طرح سؤال أساسي حول مضمون حوارات لودريان مع باسيل ومع حزب الله، وهل اقترح الرجل على الطرفين أن يتوافقا بين بعضهما البعض وذلك لقطع الطريق على محاولات القوى الأخرى في الداخل والخارج لإسقاط المبادرة الفرنسية؟ تبقى الإجابة على هذا السؤال معلّقة، لكنها مفتوحة بالنظر إلى تطورات مسار التفاوض بين باسيل والحزب. هذا التفاوض الذي يجري بشكل مباشر بين باسيل من جهة ورئيس وحدة الإرتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا من جهة أخرى. ولاحقاً يمكن أن يتطور لينضم إليه المعاون السياسي للأمين العام للحزب حسين الخليل، على أن يتوج لاحقاً في لقاء بين الرئيس ميشال عون والسيد حسن نصر الله.
في الاداء الذي يمارسه يحاول باسيل جعل نفسه بيضة القبان، من خلال إعادة تموضعه في موقعه التفاوضي، وتجديد الحوار مع حزب الله، على قاعدة ثابتة أن أي اتفاق بينه وبين الحزب من شأنه إنتاج رئيس للجمهورية. بذلك يحوّل الرجل نفسه إلى صانع للرئيس والوحيد القادر على المبادرة وسرعة الحركة بخلاف القوى الأخرى التي لا تزال ثابتة عند مواقفها. بالتدرج، عارض باسيل فرنجية بشراسة، ذهب إلى التقاطع مع المعارضة، حاول طرح مرشح ثالث لكنه لم ينجح، فأعيد فتح قنوات التواصل المباشر مع الحزب بإسقاط الشروط المسبقة، فيما أكد الحزب لباسيل أنه متمسك بترشيح سليمان فرنجية إلى النهاية، وما على باسيل إلاّ التفاوض تحت هذا السقف وما يريده.
نحو انتاج وقائع جديدة
لا يمكن التخفيف من وقع هذه المفاوضات، لا سيما أن أي تطور في العلاقة بين الطرفين سيؤدي إلى انتاج وقائع جديدة تكون قادرة على انتخاب الرئيس، إذ ستتوفر الميثاقية المسيحية، ويتوفر النصاب الدستوري. في أسس التفاوض، لا يطرح باسيل الحصول على مقابل من قبيل المكسب السياس له أو لتياره، ولذلك هو تعالى على كل العروض التي قدّمت له بتسمية قائد للجيش، وحاكم للمصرف المركزي، والشراكة في تشكيل الحكومة وأن تكون له منها حصة الأسد. ذهب إلى طرح معادلة أكبر وأوسع، ليحصن نفسه مسيحياً، من خلال اشتراطه الإلتزام بإقرار مسبق من قبل المجلس النيابي للامركزية الإدارية الموسعة، وللصندوق المالي الإئتماني. وبحسب ما تشير المعلومات فإن باسيل سلّم حزب الله نسخة عن دراسات ومشاريع أعدها التيار الوطني الحرّ حول المسألتين، ويعمل الحزب على دراستها.
عملياً، يريد باسيل من مجلس النواب أن يقر التشريعات الأساسية لهذين المشروعين قبل انتخاب الرئيس، على أن تترك المراسيم التطبيقية إلى ما بعد دخول العهد الجديد، ولذلك يقول الرجل:" اعطونا هذين المشروعين، وخذوا منا تنازلاً لست سنوات." في إشارة واضحة إلى البحث في انتخاب فرنجية. ويكمل أنه لا حاجة لانتظار شهر أيلول إنما يمكن تعزيز الحوار في شهر آب قبل عودة الموفد الفرنسي للوصول إلى تفاهمات. هذا الكلام، يتقاطع مع ما تنقله مصادر متابعة لفحوى الزيارة الثانية التي أجراها لودريان إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قال للمبعوث الفرنسي إلى أن تعود في أيلول يمكننا أن نتفاهم على وضع إطار مشترك لانتخاب الرئيس، وقد جدد برّي حديثه عن أن كوة قد فتحت في الجدار، وهو يقصد قبول اللبنانيين بالحوار، وثانياً بالرهان على المفاوضات الدائرة بين باسيل والحزب.
يعلم باسيل أن التفاوض على تفاصيل مشروعي اللامركزية الإدارية والصندوق الإئتماني يحتاج إلى وقت طويل للوصول إلى تفاهم، وهذا ما يفتح الباب أمام سؤال جديد إذا ما كان الرجل يراهن على الوقت أيضاً للوصول إلى مرحلة ما بعد انتهاء ولاية قائد الجيش جوزيف عون فلا يصبح واقعاً بين خيارين إما فرنجية أو قائد الجيش، بينما يعتبر الحزب أن الوقت غير مفتوح لمثل هذا التفاوض والأمور يمكن أن تظهر في حدود الأسابيع القليلة.