Advertise here

المواجهة المطلوبة لاستعادة التوازن

19 حزيران 2019 14:15:38

لا يمكن القفز فوق ما يجري في البلاد من تخطٍّ فاضح لكل الأصول في العمل السياسي والشأن العام. فالتعدّي على الصلاحيات المُناطة بالمؤسسات الدستورية بلغ الزُبى. وضربُ المكوّنات الوطنية فاق المتوقّع. وهدم التوازنات السياسية التي تحكم النظام اللبناني وتمنعه من الجموح نحو الأحادية، أو الثنائية، صار على أشدّه.

ثمّة من لا يريد أن يتعلّم من دروس التاريخ التي تؤكد أنه كلما بلغت الأمور مستوى كهذا الذي يسير إليه البلد اليوم، بإصرارٍ من فريق سياسي عبر اتفاق-الصفقة، فإنّ الانفجار حاصل. وهذا ما يجب منعه قبل فوات الأوان.

يدرك الجميع أن الانتظام العام للحياة السياسية اللبنانية لا يستقيم في ظل الممارسات المتطرفة للسلطة والاستفراد في وضع المعايير وتطبيقها بما يناسب فريقاً دون غيره، وتطبيق غيرها عندما لا تقدّم الغرض المطلوب، وذلك على قاعدة من الاستئثار المتحكم بعقلية مَن يتمترس في الحكم هذه الأيام.

هي الذهنية نفسها تنسحب على كل المجالات: السياسة الخارجية، تغييب دور مجلس الوزراء عن أخذ القرارات في الملفات المهمة كالنازحين السوريين على سبيل المثال، "التسلّط" في التعيينات واعتماد الكيدية فيها. وهكذا دواليك.

على هذا المنوال يسير طرفا اتفاق المصالح بالبلاد نحو المجهول. الطرف الأول غايته الاستئثار فقط، أما الثاني فتحكمه الرغبة في البقاء في السلطة لحسابات بحت خاصة وجلّ ما يستطيعه تحصين بعض مكاسبه الخاصة، وإطلاق مواقف بين الفينة والأخرى لتنفيس احتقان شارعه أو تمرير نكزةٍ ما في مقدمة نشرة إخبارية.

غاية هذا الاتفاق واضحة: القبض على البلاد بكل ما فيها، مع هاجس مراعاة طرف سياسي وحيد دون غيره لاعتبارات تتعلق بفائض القوة التي يملكها هذا الطرف وامتدادته الإقليمية، أما الجميع الآخرون فهم عرضة للمساومة والمقايضة والأخذ والرد والكيدية والاستنسابية.

لكن ما لا يدركه فريقا اتفاق المصالح أن دروس الماضي ومجرى السياسة اللبنانية يؤكدان بما لا يقبل الشك أن لا حياة لسلطة تقوم على التحكّم والاستئثار والكيدية في لبنان، مهما طال عهدها. وفي المقابل لا بد حيال ذلك من قيام حركة سياسية جامعة على مستوى كل لبنان تضم الأحزاب الفاعلة والقوى الحيّة السياسية والمدنية للتصدي لهذا النهج المتمادي ومنعه من تحويل لبنان إلى سجن زبائني كبير. هذه القوى مُطالبة بإخراج الرأي العام من هذا السجن ونقل الحراك الحيّ من العالم الافتراضي على وسائل ومواقع التواصل الاجتماعي إلى العالم الواقعي، ولو كلّف الأمر مواقف سياسية عالية السقف، ومشاكسات حكومية ونيابية، وقيام تكتل سياسي جامع يؤطر هذه القوى المعارضة، أو حتى إذا تطلب الأمر بأقصى الحالات استقالة من الحكومة أو تعليق للعمل النيابي أو تحرك سلمي في الشارع أو حتى مواجهة سياسية شعبية عارمة. بات ذلك أكثر من ضروري اليوم قبل الغد، لحماية لبنان المتنوع بحرياته وتعدديته وتوازناته.